في مرحلة الإعلان عن اقتراب صدور صحيفة آخر لحظة قال لي أحد رؤساء التحرير (الجماعة ديل عندهم حبة قريشات محرقاهم بكرة بتكمل وبيقعو) إلا إن قناعتي بهمة المهندس الحاج عطا المنان وصلابته في المواقف، وإيماني بقدرات أستاذنا حسن ساتي الصحفية، وقناعتي بقدرات أستاذنا مصطفى أبو العزائم الصحفية والإدارية، ومعرفتي بقدرات أستاذنا الهندي عز الدين الصحفية وجاذبية قلمه، ويقيني بنجاح أستاذنا عبد العظيم صالح في التحدي، لما له من قدرات في التعامل مع الآخرين ودفعهم للإنتاج، جعلتني أقول للزميل رئيس التحرير (أنا عكسك لست متشائماً، وقد صدق إحساسي المنطلق من حساباتي ليقول لي ذات رئيس التحرير بعد عام (فعلاً الجماعة ضربت معاهم)- هكذا يعتقد- مع أن المسألة ليست ضربة حظ، فهذا ليس زمان ضربات الحظ في الصحافة وفي سوق به (20) صحيفة يومية، إنه زمان التجديد، فالذي يأتي فيه بالجديد الذي يفتقده الناس فإنهم ينحازون له، وهذا ما فعلته (آخر لحظة)، التي جاءت بنفس جديد للصحف السياسية، ببعدها عن الجمود السياسي الى رحاب المنوعات، وعانقت العيون والأذهان في شكل جميل، تحريراً وتبويباً وتصميماً، الشئ الذي جعلها تقفز من (قولة تيت) للصدارة، وجعل القراء ينحازون لها، خاصة وأنها تجمع مختلف ألوان الطيف السياسي ولكلٍ طعمه، ولأنها كذلك تجاوزت كل المحن والإحن التي لاقتها من رحيل الهرم الكبير أستاذنا محمود أبوالعزائم الرجل الأمة، الذي ترقى في مسيرته الإعلامية في الصحافة حتى وصل الى رئاسة التحرير، ثم صار مديراً للإذاعة، ثم مديراً للتلفزيون، وانتهى (إعلامياً مؤسسة)، فهو عندما كتب في أواخر التسعينيات في صحيفة القبس التي كنت أرأس تحريرها، كنت انتظر كل صباح هاتفه الذي كان بمثابة المرآة التي ننظر فيها جماليات ما نشرنا، ونقف من خلالها على الأخطاء.. وفي القبس تعرفت عن قرب على الأستاذ الهندي عز الدين مدير تحريرها، والذي صار قبل انتقاله منها مستشاراً لتحريرها، لألمس عن قرب أسرار تميزه ومقدراته المدهشة، وقبلها تعرفت على الصحافي الكبير أستاذنا مصطفى أبو العزائم، الذي ساندني في كل تجاربي، ولم يبخل عليّ بالنصح والدعم، المهم مثلما فقدت آخر لحظة أبوالعزائم الكبير، فإنها فقدت الكبير الآخر أستاذنا حسن ساتي، ثم أستاذنا جعفر عطا المنان، إنها محن فقدان ركائز مهمة، يحمد للآخرين أنها قوَّت عزيمتهم، ولكل هذه المعطيات أحببت (آخر لحظة)، وفي ليلة مغادرتي لصحيفة المستقلة مستقيلاً عن رئاسة تحريرها، اتصلت بإدارة آخر لحظة مبدياً رغبة الانتقال اليهم، ففوجئت في الصباح التالي بخبر انتقالي في الصفحة الأولى للصحيفة، مع ترحيب أخجل تواضعي، فجئت الى آخر لحظة لأجد كل شئ فيها مدهشاً، فالأستاذ مصطفى أبو العزائم يمنحك الحرية في أن تكتب ما تشاء، في حرية غير موجودة في كثير من الصحف الأخرى، ويقف معك مسانداً عند تعرضك لأي موقف، فعندما منع أحد الوزراء دخول مندوب آخر لحظة لمؤتمر صحفي بسبب عمود كتبته عن أدائه، أعلن أبو العزائم مقاطعة الصحيفة للوزير، واستمرت المقاطعة الى أن اعتذر الوزير، وعندما تعامل السكرتير الصحفي للرئيس مع الصحيفة بردود الأفعال، أعلنت الصحيفة المقاطعة الى أن جاءت المصالحة، والأمثلة تطول وتجعلنا نقول.. إن من حق القراء أن يحتفلوا بصحيفتهم، ومن حقنا كعاملين أن نحتفي بهذه المدرسة العظيمة، وأن نمزج دموع الفرح بالنجاح مع الدموع لرحيل من علمونا الكثير، تاركين بصماتهم فينا وفي آخر لحظة، لنتمسك بها الى الأبد، برغم مغريات واغراءات سوق الصحافة المتسع.