{ تمر علينا اليوم الذكرى الخامسة لرحيل أستاذنا (معلم) الصحافة السودانية و(حريفها) وعزيزها وأنيقها مخبراً ومظهراً، الرائع الأستاذ "حسن ساتي"، تقبله الله قبولاً حسناً، وغفر الله له، وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. { كان أستاذنا "حسن ساتي" مدرسة متفردة، وخاصة في الصحافة، يمتزج فيها فن (التحرير) بتطبيقات (الإخراج الصحفي) على شاشة الكمبيوتر (التصميمية). قدرات "حسن ساتي" في رسم (ماكيت) الصحيفة، أو شكلها وتبويب صفحاتها، لا تقل عن مقدراته الهائلة في تطويع الكلم، ونثر الدُرر من بديع اللغة، ومكنوناتها الساحرة، على مفردات المادة الصحفية، خبراً، تقريراً، تحقيقاً أو مقالاً. { في العام 2006م، التقيت الأستاذ "حسن ساتي" لأول مرة، خلال ترتيبات إصدار صحيفة (آخر لحظة)، عبر شراكة ذكية قادها الباشمهندس "الحاج عطا المنان"، مثلنا فيها - الأستاذ مصطفى أبو العزائم وشخصي - أساس (البناء الصحفي) للمؤسسة التي كانت وما زالت رائدة بين صحف المقدمة في السودان. { كان البعض يتهيب أو يستصعب التعامل مع الراحل الشفيف، لكنني كسرت معه الحاجز سريعاً.. اختلفنا كثيراً كمجموعة، واتفقنا أكثر، فكانت ثمرة الاتفاق ذلك الصرح الصحفي الكبير الذي أحدث (طفرة) نوعية وكميّة في مسار تطور وانتشار الصحافة في بلادنا. { فعندما سافرت للمشاركة في معرض دولي للطباعة في "القاهرة" برفقة العزيز المرحوم "جعفر عطا المنان"، المدير العام السابق ل (آخر لحظة) الذي انتقل إل جوار ربّه في حادث حركة مشؤوم بطريق (شريان الشمال)، كان المصريون، وخاصة أسرة المهندس "علاّم" رائدة الطباعة في مصر، يسألوننا بدهشة: (هو الجورنال دا بيطبع في السودان؟!!). { كان للأستاذ القدير "حسن ساتي" دوره الأساسي والمحوري في رسم (ماكيت) الصحيفة، ليكون مقارباً لإخراج صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية، التي كان يمثل أحد أهم محرريها وكتابها المميزين من مركزها الرئيسي في "لندن". وكان وما يزال هناك ممثلان مشرِّفان للصحافة السودانية، هما الأستاذان القديران "عثمان ميرغني" نائب رئيس تحرير (الشرق الأوسط) - وهذا لا علاقة له بالأخ المهندس "عثمان ميرغني" صاحب (التيار) - والمحترم "إمام محمد إمام" سكرتير التحرير العريق. { تعلمتُ من "حسن ساتي" الكثير، خاصة في ما يتعلق بجوانب في فنون (الإخراج الصحفي) تطبيقاً مباشراً في (المعمل) أو (مطبخ) الصحيفة، فالمخرج الصحفي لا يمكنه بلوغ نهايات (لوحة) الصفحة إلاّ بإشارات ورؤية (المحرر) أو رئيس التحرير، ولهذا تجد ذات (المخرجين) أو (المصممين) يعملون في عدة صحف، ولكن يختلف (الإخراج) بين هذه وتلك، لأن (مفاتيح) الشكل العام يديرها مسؤول (التحرير). { وقد تتوفر لصحفي قدرات وإمكانيات (تحريرية)، لكنه غير (موهوب) أو غير (حساس) تجاه (الصورة) وتنسيق (الألوان)، وتمييز أنواع (الخطوط)، فتصبح قيادته ناقصة، وقد يحدث العكس عندما يتمتع أحدهم بإحساس فني عالٍ، لكن غير متقدم على مستوى الفكرة والتجديد. { "حسن ساتي" كان يجمع بين الصفتين (مهنية التحرير الخلاّقة)، و(حرفيّة الاخراج الوثابة)، وهاتان الميزتان نادراً جداً ما تجتمعان عند (صحفي)، محرراً أو رئيس تحرير.. في السودان أو حتى على مستوى العالم. { وكان مهتماً جداً بمظهره العام، يأتي إلى العمل مبكراً متأثراً بنشاط (الإنجليز)، يسبقنا رغم أنه يكبرنا سناً وبعقود!! وكان أنيقاً رقيقاً على حدّته، لا تراه إلاّ بالبدلة الكاملة وربطة العنق، معتدّاً بنفسه، معتزاً بها، واثقاً منها، وقد ساعد ذلك في الارتقاء بمقام الصحافة و(برستيجها) المهدر في بلادنا. اسمه كان وما يزال أهم من أسماء ساسة ووزراء كثر، وقيمته الأدبية أعمق.. ورسالته أرسخ.. وتاريخه وضّاء. { ألا رحم الله أستاذنا "حسن ساتي" بقدر رحمة العزيز الرحمن.. وجمعة مباركة.