الحسين بن علي حين استوقفه أحد جلاوزة يزيد متوعداً ومهدداً قال له بكبرياء وشمم أ بالموت تخوفني يا ابن الطلقاء .. ثم أردف راجزاً : سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما/ وآسى الرجال الصالحين بنفسه وخالف مثبوراً وفارق مجرما/ فإن عشت لم أندم وإن متُ لم أُلم كفى بك عار أن تعيش وترغما .. الحسين الذي سنّ سنة الخروج على الحاكم المستبد كان أول من اعترض على أول عملية توريث تشهدها الأمة على عهد معاوية بن أبي سفيان لأنّه كان يُدرك جيداً كيف أن طلاق الإكراه لا يقع دع عنك بيعة الإكراه ولأنّه امتطى عمقه المتفرد ونفذ إلى جوهر النص القرآني الوارد في سياق الطاعة اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .. نعم اطيعوا الله لأنه مطلق .. واطيعوا الرسول لأنه معصوم .. وأولي الأمر عطفاً على ما سبق من سياق .. وأولي جماعة وليس فرداً أوحد .. ومنكم وليس فيكم .. والذي نلاحظه أن الحسين لم يخرج على معاوية لأنّه أتى وفق صيغة توافقية تنازل له بموجبها الحسن عن الحكم فيما عرف بعام الجماعة .. وليس غريباً من بعد تراكم السنون والقرون أن يخرج ثوار اليوم لذات الأسباب في واحدة من الموافقات الفارقة لنسق فكرة خُطت بدماء الشهداء الحارة لا بمداد العلماء الباردة .. وبخلاف ثورة تونس خرجت كل الثورات العربية في مصر وليبيا واليمن وسوريا معترضة على استكمال مشروعات التوريث ولو بأثر رجعي كما في الحالة السورية .. قد لا يكون هذا هو السبب الأوحد كما طفق يردد المراقبون والخبراء لكنه يبقى سبباً رئيساً ومحفزاً بل ومعززاً لحالة التذمر والسخط التي اعترت كثيراً من الأمصار العربية فأتى الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحسن حتى كاد أن يتكلما على حد قول البحتري وفعل الشباب الثائر ..وليس غريباً أن يتصدى لجحافل الثوار مستبدون صغار تماثلت شفراتهم الوراثية مع آبائهم الطغاة ورضعوا القسوة من أثداء أمهاتهم وعاشوا في أكناف الاستبداد وتقلبوا فيها ففي مصر أم الدنيا لم يكتفِ جمال مبارك الذي درس في أمريكا بتكميم الأفواه وتقطيع الأوصال بل سعى في سبيل إخراص الأصوات المنددة بفساد نظامه إلى تحريض البلطجية وشذاذ الآفاق وتزويدهم بالسواطير والأسياف و البغال والجمال و كل أدوات ما قبل التاريخ وما درى أنه يعيش في عصر تغلبت فيه نعومة المعلومة على أزيز الرصاص .. وفي ليبيا التي لما هتف ثوارها ذات يوم مبارك الشعب يريد إسقاط النظام .. خرج عليهم شخص سيكوباتي منفصم عن واقعه مملوء بذاته شأنه شأن أبيه هذا الشخص يدعى خطأ سيف الإسلام القذافي فخلع عنه كل إهاب المدنية والتحضر الزائف والمدفوع الثمن من أموال نفطهم المراق على مغامرات العقيد ومؤامراته .. مثلما خرج عليهم خميس القذافي على رأس مرتزقة مجلوبة من مالي والنيجر وتشاد ومجبولة على القتال وحب المال فصار أسهل من إلقاء تحية إطلاق رصاصة على شعب أعزل وما أن هلك حتى آلت القيادة الميدانية لمعتصم القذافي العائد من بذخ الفنادق في سويسرا ونزواتها إلى ضيق الخنادق ومخاطرها فأبلى في كليهما بلاء سيئاً حتى نال ذل الأسر وبشاعة القتل جزاءً وفاقاً .. لكن ثمة ملاحظة خليقة بالتأمل والبحث وهي أن المستبدين الصغار لم يصبهم خور آبائهم وشدة جزعهم من تقلب حالهم وسوء مآلهم فبينما سمع العالم كله مناشدة الطاغية واسترحامه لمن ظل ينعتهم بالجرذان وقوله لهم أنا أبوكم , حرام عليكم مضى معتصم دون أن يسمع منه الثوار سوى مفردات التهكم والاستعلاء فلما حاول بعض المتشنجين إغاظته وإذلاله قال لهم أنا لا أخاطب المراهقين فلم يتخل عن قسوته وهو في أوج محنته .. وسوف يصل المد الثوري أقصى مدى رغماً عن شبيحة سوريا وبلاطجة اليمن.