كل عام وأنتم بخير، الدنيا تتغير حولنا وعلينا أن نراقب كيلا تفوتنا الفرص الجديدة أو نفاجأ يوماً بنتائج محبطة- لا قدر الله، هكذا يبدو لسان حال أفواج القادمين من الولايات بعد العيد وأنا منهم، ما يعتمل فى الخاطر يكفي للإحساس بأن التغيير ملاحظ ليزيد الناس ترقباً للأكثر والأفضل والأقرب لنوازع الإطمئنان، تغيير تتبدى معالم الخير فيه برغم تفلت الأسعار والجباية وطغيان نزعة المكائييل الظالمة. هناك جديد يشغل مجالس العيد الممتدة على ضوء القمر وكهرباء لا تنقطع، فهذه الطرق والجسور اختصرت الزمن وقربت البعيد، وأجهزة إتصال لا يخلو منها جيب، والقنوات متاحة لكل أسرة يدها على قلبها (اللهم أجعله خيراً).ماذا هناك؟! الأسئلة عديدة ضمن ثمار العودة: أما آن الأوان لنبقى في مناطقنا، ومرتع صبانا، وموطن الأهل والعشيرة، نشاركهم الهموم والهدوء وطموحات التطوير؟. دوافع التساؤل أبرزها الشفقة على أوضاعنا الحياتية في زحام هذه الخرطوم التىي لم تعد محتملة لمن بقوا متعلقين بجذورهم مفتونين بأحلام العودة لكنف الأسرة الكبيرة ومشاعر الإنتماء بكل ما هو أصيل، فى وقت اشتدت فيه تبعات التسفار والعيش فى مدن تزداد تزاحماً كل يوم، ويتنافس أهلها على كل شيء، كسب العيش واقتناص فرص التعليم والصحة والتميز، يكابدون لترك بصماتهم فى مهنة العمر ومجتمع حضري لا يألفهم ولا يألفونه. مثل هذه الخواطر تؤججها الملاحظات والمقارنات الحادة مع أوضاع من بقوا فى القرية أو المدينة الريفية أو عواصم الولاية بعد أن طرأ عليها ما طرأ من مظاهر التغيير إلى أحسن هنا وهناك، ونسبياً لا سيما فى أولويات الحياة الكريمة، ثم الإسهام بسهم مستحق فيما يصون إرث الآباء والأجداد الأماجد في بلاد بكرة مازالت يعتريها مخاض التغيير للأفضل، وتنشط فيها المقارنات بين ما ناله الآخرون من حظوظ السلطة والثروة.. ويثور الجدل حول دور نائب الدائرة والرابطة التي تجمع أبناء المنطقة فى الخرطوم- ماذا قدموا ؟ . الإحساس بالمقارنة يسيطر على أجواء العيد، كيف نلحق بمن سبقونا؟ أوضاع الحياة فى الخرطوم تقع ضمن هذه المقارنات مقابل أشواق العودة ورد الإعتبار للإنتماء للموطن الأول، بما يتيح فرص المشاركة فى تطور ذاتي تعاوناً مع من هاجروا ليتركوا جميعاً بصماتهم فى مناطقهم من باب الوفاء وسداد دين مستحق، واقتسام ميراث من القيم عروته الإنتماء للأرض التي أنجبت. هواجس الإنتماء والمشاركة وحل المشكلات المحلية تتصاعد في مواجهة تبعات الإغتراب والعزلة داخل المدن المزدحمة، وتضاؤل وشائج المهنة مع تمادي سطوة التكنولوجيا والعولمة ومحاولات طمس اللمسات الإنسانية التي ظلت مشاعة بين الناس وعبر الوظيفة العامة ومخصبات المزاج العام... فما العمل غير التواصل والإحتماء بالجذور، بالأصول والقيم(الزمان)؟ بيداء المتنبىء والثورة الرقمية (المتنبىء) مازال حاضراً في أعيادنا يؤجج الشجون مع أنها(حالة) خاصة به: عيد.. بأية حال عدت ياعيد وغالباً ما نكتفي بهذا الحد من قصيدته، لكنه نشط في التنديد بالمسافات فيقول: أما الأحبة فالبيداء دونهم مشكلة الناس في الأعياد منذ الأزل هي الحرمان والمسافات البعيدة، والحل هو التواصل الذي يقهرالقيود.. هل نقول إن الطرق والجسور والإتصالات والتقنية الرقمية الحديثة هى أكثر من مسألة بنيان وتكنولوجيا، وأنها (حالة تفاعل) تثري إحساس الناس بأنهم (متواصلون) بحرية وعلى راحتهم، وفي حاجة للمزيد ليفرحوا بأنفسهم، بلقياهم وجهودهم، ليتسنى أن نقول مرة إن العيد ماعاد بالقديم، بل جاء لأمر فيه تجديد نحن نصنعه فقط بحسن التواصل.. علناً نفعله ونتحضر . الجوال بين لوازم العيد وأفراحه رسائل الجوال ساهمت في تجميل الأجواء وربما شكلت مادة خصبة للمهتمين بدراسة أطوار التغيير في المجتمع، بعضها حفل بالإبتهالات وطيب الكلام، الحكمة والشعر واللغة المبتكرة. أفرحتني رسائل من شخصيات عديدة، وعلى النقيض هناك من ينقص رصيدك من هذا الفرح حين يسكت على تهنئة أرسلتها له بحميمية، ولكن أن تجد لأخيك عذراً هو من نفحات العيد، حجاً مبروراً لمن تركوا الجوال وراءهم، فالجديد أن جوال الحاج سيكون معه واللهم أوعدنا، لنبقى على إتصال روحي، وتقني أيضاً.. سبحان الله. د . الحبر.. (هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده) خاطبت بها البروفيسور الحبر يوسف نورالدائم بعد أن استعصت المهاتفة عبر جواله السعيد، وكنت قد التقطتها من أسماره الزاهية، وهو يتحدث للتلفزيون عن بهجة العيد عند الشعراء ومنهم من يجد في العيد فسحة لأن يهنىء بهذه (البحبحة) ولاحرج مادام الدنيا عيد، ولذلك فعلتها.. هناك الله بعلمك وبالعيد يابروف. د . البونى.. مبادرات قابلة للتنفيذ الرسالة تعبر عن المشاعر لكنها لا تكفي وحدها أحياناً، خاصة إذا كانت المعايدة محورها فكرة وطرفها الآخر إنسان شغوف للمشاركة مشغول بأوجاع المجتمع، ومهتم بالعلاج فى نفس الوقت مثل البروفيسور عبداللطيف البوني. وجدته معتكفاً بعيداً عن الخرطوم والمطابع والقنوات، لكنه كان مشغولاً بها أيضاً وبإضافاته بعد العيد، و(كشف) لي كما تقول لغة الأخبار عن فكرة برامجية مبتكرة من وحي العيد وجديدة.. البرنامج ينقب عن (حالات النجاح) في البلد لرفع إيقاع المعنويات في الحياة العامة والذي سرني أكثر أن الأنموذج الأول من داخل مشروع الجزيرة الذي إفتتن به البوني وأنه يراهن على نجاح الفكرة في الواقع وعلى الهواء، هذا غير ماهو مكتنز في هذه الثروة القومية التي تمشي على قدمين من قدرة على (المبادرة) وملاحقة البيان بالعمل على عكس المبادرات السياسية.. ليتنا نفاجأ بمنفذين لمبادراتهم بين أهل السياسة والأفضل أن نرى أناساً بهمة بروفيسور البوني في ميدان السياسة والتوظيف الدستوري، هذا بعد إذن قرائه طبعاً.