قبل عيد الأضحية المبارك أعاده الله علينا وعليكم بالخير، تناولنا في هذه المساحة وتحت العنوان أعلاه الإجابة على عدد من الأسئلة الملحة التي ترمي إلى تسليط الضوء عليها لتحقيق الأهداف الكلية لوثيقة الدوحة للسلام في دارفور، ولتزكية الشراكة السياسية التي وقعت عليها حركة التحرير والعدالة مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم. باختصار شديد ولربط المقال بعد مرور أكثر من أسبوع، ففي الحلقة الأولى تناولنا تفرد وثيقة الدوحة وصلاحيتها كأساس لإحلال السلام والأمن والتنمية في دارفور، وتناولنا من خلال تجربة السلطة التنفيذية الانتقالية برئاسة السيد مني أركو، مدى قابلية وأهلية حركة التحرير والعدالة لتنفيذ الاتفاقية من جانبين، الجانب الأول تمليك الوثيقة فعلاً لا قولاً لكل أهل دارفور ومشاركتهم في السلطة الإقليمية، والجانب الثاني ترميم بنية الحركة للمحافظة على تماسكها ووحدتها وتذويب العصبية الفصائلية في بنائها. وفي ختام المقال السابق طرحنا سؤالاً حول ملامح العلاقة بين حركة التحرير والعدالة والحزب الشريك في الاتفاقية المؤتمر الوطني، ومواصلة لذلك فنحن نقرأ هذه العلاقة في اتجاهين، الاتجاه الأول يتمثل في العلاقة على المستوى السيادي القومي وهي علاقة تم التخطيط لها من خلال مرحلتين، مرحلة الاتفاق على الوثيقة في كل محاورها، ومرحلة الشراكة السياسية التي أشرنا إليها، ففي تجربة اتفاقية نيفاشا وأبوجا كان الحكم بين الأطراف بنود الاتفاقية التي كثيراً ما تتباين الآراء حول تفسيرها ودلالاتها، وبسبب ذلك نشبت الأزمات السياسية والقلق والتربص بين الأطراف في الاتفاقيتين السابقتين، وإدراكاً واعياً لسلام الدوحة تم تحديد الشراكة عبر البروتوكول الموقع عليه من الطرفين بحيث تكون مسؤولية تنفيذ الاتفاقية مسؤولية مشتركة بين الأطراف الموقعة عليها من الطرفين، وأن تخضع الخلافات للتحكيم المباشر والملزم للطرفين.. واقع الشراكة بين حركة التحرير والعدالة والمؤتمر الوطني يهييء لتذويب عدم الثقة بين الطرفين. أما الجانب الآخر في العلاقة بين حركة التحرير والعدالة وبين المؤتمر الوطني فتتمثل في المستوى التنفيذي فيما بين السلطة الإقليمية وبين ولايات دارفور خاصة أن الاتفاق أشار إلى أن مقر السلطة الإقليمية سوف يكون بمدينة الفاشر حاضرة الإقليم، والسلطات والصلاحيات والإمكانات المالية المدفوعة للسلطة الإقليمية من الحكومة حسب البرامج والجداول الزمنية الملحقة بالوثيقة ولأغراض معالجة إفرازات الحرب وعمليات إعادة الإعمار والتنمية، إضافةً إلى الالتزامات الإقليمية ممثلة في الدعم القطري عبر بنك دارفور وفصيله صندوق الإئتمان متعدد المانحين الذي ينشأ في مكان صندوق دارفور للإعمار والتنمية هذه الإمكانات تجعل للسلطة الإقليمية الدور الأبرز في تنفيذ المشروعات ودراستها وتحديد مواقعها على مستوى الولايات، بينما تتمتع الولايات بسلطات مسنودة بالدستور القومي ودساتيرها الداخلية التي أعطت الوالي والمؤسسات الولائية الحق الحصري والتعامل والمساءلة من رأس الدولة مباشرة ودستورية نظام الحكم والإدارة والتنمية في النطاق الجغرافي للولاية. إن هذا الجانب المتعلق بعلاقات السلطة الإقليمية والسلطات الولائية في دارفور يحتاج إلى تشريعات قطعية وليس إلى نصوص حمّالة أوجه، وقد انتبه المفاوضون في الدوحة لهذا الجانب، فقد تم التمهيد لمجلس السلطة الإقليمية لاستعراض القوانين الولائية من حيث علاقتها باختصاص سلطة دارفور الإقليمية وأن يقوم المجلس نفسه بتسوية النزاعات التي قد تنشب نتيجة ممارسة السلطات بين السلطة الإقليمية والولايات، وأفسح مجالاً للجوء إلى المحكمة الدستورية لحسم أي نزاع بين الطرفين. من الواضح أن أضعف حلقات الوثيقة تكمن في العلاقة التنفيذية بين السلطات في ولايات دارفور والمطلوب ليس دوراً للسلطة الإقليمية للتنسيق بين الولايات، إنما التنسيق بين السلطة الإقليمية نفسها وبين الولايات التي تتمتع بسلطات دستورية والتحدي الذي يواجه أهل دارفور في هذه المرحلة تحقيق تناغم وتعاون بين مستويات الحكم المختلفة لتحقيق الأهداف والمكتسبات الكبيرة التي جاءت بوثيقة الدوحة. ولله الحمد