(1) ü دافعت الشركة السودانية لإنتاج الكهرباء عن تحمل المواطن لكلفة توصيل الكهرباء، معتذرة بأن الدولة لا تستطيع (منفردة) إنشاء البنيات التحتية لخدمات الكهرباء بدون مساهمة المواطن، وأعلنت في الوقت ذاته إرجاءها إنشاء خطوط نقل الكهرباء الى دارفور الى حين توفّر التمويل من الحكومة الاتحادية، وأكدت الشركة أنها تخطط لتوفير الكهرباء للقطاعين الزراعي والصناعي بالتعرفة الحالية، التي اعتبرتها مشجعة، تلك التعرفة البالغة (180) قرشاً للكيلوواط، مشيرة الى أن القطاعين الزراعي والصناعي سيجدان «اهتماماً منقطع النظير» من قبل الشركة أكثر من القطاع السكني، باعتبارهما يساهمان في تنمية البلاد. ü الإفادات أعلاه صدرت عن مدير الشركة السودانية لإنتاج الكهرباء علي عبد الرحمن في لقاء له مع برنامج «مؤتمر إذاعي» الذي بثته الإذاعة السودانية من مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق على هامش مؤتمر مديري الولايات بشركة توزيع الكهرباء-إحدى الشركات التي تأسست بعد تمزيق الهيئة القومية للكهرباء الى عدة شركات وحولت بالتالي أقسام وإدارات الهيئة الى شركات مستقلة تعمل وفق مبدأ الربح، وليس على أساس أنّ «الكهرباء خدمة». ü وإذا ما انطلقنا من الحقيقة البسيطة والواقع الجديد الذي اختارته الحكومة للهيئة القومية للكهرباء، واقع أن توزيع الكهرباء أصبحت تقوم به «شركة» تعمل بمنهج الربح والخسارة فكيف يمكن لنا أن نفهم ما ذهب إليه مدير الشركة السودانية لإنتاج الكهرباء من أن الدولة لا تستطيع (منفردة) إنشاء البنى التحتية -خطوط إمداد ومحولات- بدون (مساهمة المواطن)؟! فإذا كانت شركة التوزيع تعمل بمبدأ الربح، وهي المسؤولة حصراً عن إمداد الكهرباء وتوزيعها عبر «بنى تحتية» ستصبح ملكاً لها وليست شراكة مع المواطن، فكيف لها أن تطالب ذلك المواطن البسيط، مزارع أو صاحب منشأة صناعية صغيرة، أن يتكفل -إلى جانبها- بتحمل كلفة الإمداد والبنى التحتية وليدفع من ثم قيمة استهلاكه من الكهرباء، الذي يبشرنا السيد المدير بأنه أصبح (180) قرشاً بعد أن كان (340) قرشاً للكيلوواط، وهو مبلغ مبالغ فيه كانت تتقاضاه الهيئة دون وجه حق، إذا ما قارناه بقيمة الكهرباء في دول الجوار، أثيوبيا أو مصر على سبيل المثال!! ü منذ أيام قليلة مضت جمعتني جلسة، في مكتب الأستاذ علي فقيري مدير هذه الصحيفة، مع قادمين من الولاية الشمالية، حيث أقيم سد مروي، وقال هؤلاء إن المشكلة في تلك المنطقة -منطقة السد- هي توصيل الكهرباء للمشاريع الزراعية الصغيرة، التي تشكل عصب الإنتاج في تلك المنطقة وإن المشكلة تتلخص في أن إدارة الكهرباء -شركة التوزيع يعني- تطالب المزارع البسيط بدفع عشرة ملايين جنيه (10 آلاف بالجديد) حتى يتمكن من الحصول على الكهرباء لطلمبته وري زراعته، وإن المزارع هناك يعجز في الغالب عن توفير هذا المبلغ، وبالتالي فإن آلاف المزارع باتت الآن بلقعاً صفصفاً وتوقف المزارعون عن العمل والإنتاج لأنهم لا يملكون مثل هذا المبلغ، بالإضافة الى أن أسعار الجازولين لا تقاوم، فهي من الغلاء بحيث تصبح محاولة الاعتماد عليه لإنجاح موسم زراعي هي مغامرة غير محسوبة النتائج. ومع ذلك يتحدّث السيد المدير المحترم لشركة إنتاج الكهرباء عن أنهم يولون «اهتماماً منقطع النظير للقطاعين الزراعي والصناعي».. أهو كلام والسلام، هو الكلام بقروش؟! (2) ü أما في مجال الدواء، فقد حذّر اتحاد الصيادلة من حدوث أزمة دوائية حادة إذا لم تتدخل الحكومة وتوفر النقد الأجنبي للاستيراد، وأعرب رئيس شعبة الصيادلة التابعة للاتحاد الدكتور نصري مرقص في حديث لجريدة «الصحافة» عن خشيته من انعدام الأدوية الذي سيفتح الباب واسعاً أمام ظاهرة التهريب ودخول الأدوية المغشوشة، مشيراً في الوقت ذاته الى ارتفاع حدة الغلاء في بعض أصناف الأدوية بسبب ندرتها. وعزا مرقص «الفجوة الدوائية» الى الخلاف الناشب بين غرفة مستوردي الأدوية والمجلس القومي للأدوية والسموم، والذي استمر على مدى شهرين حول تسعير الدواء في ارتفاع سعر العملة الصعبة والدولار، ما دفع المستوردين الى إيقاف عمليات الاستيراد، بجانب توقفهم عن بيع الدواء للصيدليات خشية ما يتوقعونه من خسائر، وأكد أن الأزمة بين الغرفة والمجلس لا تزال على أشدها. وأشار الدكتور مرقص إلى شح الأدوية، خصوصاً تلك المنقذة للحياة، في الصيدليات الطرفية بالعاصمة وكذلك في الولايات. ü المجلس القومي للصيدلة والسموم هو «مجلس رسمي» أنشئ بقانون وتم تشكيله بواسطة رئاسة الجمهورية، ومهمته الأساسية بالإضافة الى الرقابة الفنية وضبط أسعار الأدوية هي التأكد من توفير الأدوية الضرورية، خصوصاً تلك المنقذة للحياة، في متناول المواطنين، وإذا كانت أسعار العملات الصعبة -دولار أو يورو أو خلافه- قد ارتفعت، فإن من واجب هذا المجلس أن يؤمن للمستوردين، من خلال الضغط على الحكومة ووزارة المالية والبنك المركزي ووزارة الصحة الاتحادية، ما يكفل لهم استيراد الأدوية وتوزيعها من دون أن تترتب عليها خسائر تخرجهم وشركاتهم من السوق. ü بمعنى آخر، فإن أمر توفير الدواء هو مسؤولية الحكومة، التي تقرر كم يكون سعر الجنيه في مقابل العملات الأخرى، وفشل الحكومة في توفير السيولة والاعتمادات الأجنبية لاستيراد الدواء أو أي سلعة حيوية يعني -ببساطة كدة- إن الحكومة مُفلسة، ذات الإفلاس الذي يضطرها للاعتذار عن توصيل الكهرباء للمزارع والمصانع وتدعو المواطن ل«المساهمة» وسد عجزها.. فانطبق عليها في الحالتين قول المثل «جابوك يا مُعين تعين، لقوك يا مُعين تتعان».. والله المستعان.