هل يدرك المصريون مكانة مصر عند أهل السودان؟ دعنا نقول نعم يدركون،، فالسؤال يطرح نفسه فى هذه الآونة من باب«ليطمئن قلبي» فما أحوجنا في ظروف اليوم إلى «مصر المؤمنة» تحديداً، بل ما أحوج بنيها هناك لهذه الطمأنة قبل من هم هنا، وإن كان النهر هو النهر ذاك القديم الجديد العذب. العالم يتفرج يا مصر، فإلى أين؟ لقد إعتدنا هنا جنوب ذات الوادى أن نقرأ لمصر ونشاهد، ونسمع، ونكتب عنها معجبين« من غير ليه» ولكن السبب الآن هو موجود وبشدة، يلح على بذل الأماني بأن تتخطى المحروسة كل ما يظن أنه محاك ضد ريادتها، التى لا خلاف عليها تاريخياً، ولكنها رهن تجاوز هذه الخلافات العارضة، التى هى دليل عافية، فقط طريقة عرضها على بعض القنوات يثيرالقلق، مع أن القاعدة هى أن أهل مصرأهل حكمة وريادة، وسيتنادوت لاريب إلى كلمة سواء، ليعبروا بثورتهم الفريدة- التى شغلت الدنيا وأفرحت الشعوب- إلى برالأمان، بانتخابات معافاة تشبه مصرالتي نشرت العلم والوعي في القارة والمعمورة. مصر نشرت العلم، ونحن جيل ما بعد الإستقلال شهود على ذلك عبر الإعلام والمدارس والجامعات، فعرفنا فضل مصر وعمالقتها فى مجالات التعليم، والثقافة، والفنون، والبحث العلمى، عبر المراجع والوسائط، وشخصيات فذة ممن اقتربنا منهم إحتضنونا، وتشهد على ذلك وفود وأجيال من الطلاب الذين تلقوا العلم فى مصر والسودان، والإعلاميين والصحفيين، وسائر أهل الإبداع، وبإمكان الكثيرين أن يكتبوا ويتحدثوا عن مصر وما يشغلها، بلغة من يعرف كل شيء، حتى لتطمئن إن هموم مصراليوم وهي تعبرلآفاق المستقبل الذي إختاروه، ليست همومهم وحدهم، وإنما هى هموم كل من يريدون مصر فى مكانها الطبيعي رائدة.. المنتظر منها الآن أكثر من أي وقت، أن تكون رائدة لغيرها من البلدان في مجال الإنتقال السلمي للسلطة لأصحابها الحقيقيين، وهذا هو المزاج السياسي السائد اليوم، مع تداعي ثورة المعلومات، والشفافية، والقيم والحكم الراشد.. رائدة كما كانت نريدها مصر، والمحك الآن هو هذه التجربة الانتخابية. نرجوكم حافظوا على مصر التي عرفناها تاريخياً «مصر المؤمنة». د . على السلمي.. محاضر تمتحنه الجماهير عرفناه صاحب أحدث النظريات في مجال الإدارة والتعامل مع الجمهور، وفوجئنا به يتقلد منصب نائب رئيس الوزراء بعد ثورة 25 يناير .. تصرفاته خارج المدرج خضعت للنقد، لأن من نجح أكاديمياً ليس بالضرور ناجحاً سياسياً. المشكلة هي«التطبيق» والبيان بالعمل فى مواجهة التنظير، إن العلماء تحتاجهم بلادهم لتنجو بالعلم التطبيقي من معضلات معظمها مرده سوء الإدارة، وغياب فن التعامل مع الجمهور.. كم من المضامين الحديثة في الإدارة خطف بها دكتور السلمي الأنظار كمجدد لعلم الإدارة في العالم العربي، وحين عملت فى مجال الإعلام نفعني ما تعلمته منه في الجامعة ومنه قوله «الإنتاج يبدأ بالجمهور وينتهي بالجمهور» تعويلاً على أخذ رأي الجمهور.. أرجو أن لا يضيق أستاذنا الآن برأي جمهور المخالفين له في الرأي سياسياً، وهو يتبنى وثيقة المباديء الدستورية المثيرة للجدل الآن، إنه من دعاة الإتجاه السلوكي في مؤلفاته، والإتجاه التفاعلي في قنواته الفضائية "شبكة الحياة" فليتذكر أن الجماهير هي المعلم الأول. صلاح جاهين وعبدالوهاب في ميدان التحرير دقت ساعة العمل الثوري، الثوار هم الشعب والأحرار هم الشعب، عاش الجيل الصاعد .. هكذا فاجأت «الجزيرة» الجميع ببرنامج سياسي يتدثر بالمنوعات، ليؤكد تأثير الفنون والآداب- بلا حدود- فى مجال تشكيل وجدان الأمة وتوحيد صفها.. لساعتين تابعنا حفلاً باذخاً عبر مشهد يشبه ميدان التحرير، ولكنه حشد إبداعي قوامه الشعر الوطني الرصين في حب مصر والذود عنها، وتوحيد كلمة بنيها،، هذه إلابداعات ألفتها الأذن العربية ومعظمها لمحمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ، وصلاح جاهين على أيام ريادة مصر للعالم العربي.. العرض طابعه قيم الوطنية الخالدة على مر السنين، فأشاع الإطمئنان بأن مصرباقية «مؤمنة» بإذن الله . و.. أنيس منصور تعرفت عليه من قريب بدار المعارف بالقاهرة، كان يقود الجانب المصري في هيئة تحرير مجلة «وادي النيل» سودانية مصرية، ثقافية، إجتماعية، وكنت ضمن فريق من السودان يتصدره الأستاذ محمود أبو العزايم عليهما رحمة الله.. المجلة كانت تطبع بدار المعارف بالقاهرة، ومالت للإبتكار شكلاً وموضوعاً، وتهدف لتعزيز الوشائج بين البلدين . جمعتنا به ملتقيات مفتوحة بمكتبه، وزياراته للخرطوم، وميله للإقتراب من الناس، وزيارة المعارض والأسواق، والتجوال وتأمل العلاقات الإجتماعية فى السودان، ولمسنا رقته وسحر ثقافته، ونظراته الفلسفية، في إحدى زياراته فاجأني برغبته في أن يصحبني في سيارتي المتواضعة للفندق، بينما سيارة رسمية فارهة كانت في انتظاره، عبرنا إلى الفندق وهو يتأمل الخرطوم بعد منتصف الليل، مبهوراً بهدوئها، وعاودته صباحاً وقد فرغ من تصفح صحف الخرطوم، فالتفت نحوي هاتفاً «أرجوك خليني أشوف موسى ورحمى»- يقصد موسى يعقوب ورحمى سليمان- فقد استرعى إهتمامه ما كتباه في ذلك الصباح، وحين جئته مساء لقيته منهمكاً فى حوار مع موسى يعقوب، فسألته هل تعرفه من قبل؟ فالتفت نحوي كأنه يستنكر سؤالي « إيه ده، هو نحن مش مثقفين ؟» . شخصية بسيطة ومألوفة، لكن ذلك لم يظهر في كتاباته مع امتاعها واحتفائها بالجديد، على أني بقيت متابعاً لها، فلا أجد جاذبيتها عند غيره، حتى لو أسرف في الحديث عن نفسه، وهذا ما عرضه للإنتقاد.. صارحته يوماً.. قائلاً له : يقولون: إن كتابك «في صالون العقاد» عنك وليس عن العقاد ! فرد متبسماً « وأنا مالي ومال العقاد؟» - رحمه الله - أثار الجدل وشغل الناس، وعرف الدنيا، وخرج منها بهدوء، رصيد من القراء، وقليل من الأحباب شأن كل من أحب نفسه ودار في فلكها.