ترددتُ كثيراً عند الكتابة في هذا الموضوع الحساس، والمهم جداً، والذي يؤرق ويشغل بال جميع المخلصين والمحبين لهذا الوطن العزيز، والذي نتمنى له من الخير أكثرهُ، والاستقرار أدومهُ، والتقدم أرفعهُ، والدرجات أعلاها في ظل تربص قوى داخلية وخارجية، تحاول النيل منه وزعزعة أمنه واستقراره، ليسهل التدخل في شؤونه الداخلية وإلزامه بأجندة وإملاءات لإشعال الفتن! طالعت في بعض الصحف السودانية الصادرة صباح الاثنين الموافق 21/11/2011م خبراً مفاده أن سلاح الجو الإسرائيلي صادق نهائياً على بدء العمل لتشغيل أضخم طائرة بدون طيار (إيتان) من أجل القيام بمهام استخبارية فوق السودان، وأن مجالها مُخصص للسودان، وسبق أيضاً أن طالعت في صحيفة (الأهرام اليوم) الصادرة صباح السبت الموافق 1/10/2011م بالعدد (638) خبراً مفاده أن كلاً من وزير الاستخبارات (دان مريدو) ورئيس المؤسسة المركزية والمهمات الخاصة (الموساد) (تامير باردو) قرروا إقامة محطة إقليمية رئيسية للموساد في عاصمة دولة الجنوب جوبا! وفي أواخر العام 2010م أيضاً طالعت في بعض الصحف السودانية تصريحات لوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي التي قال فيها: (إن السودان لو تركنا له الفرصة سيصبح خطراً علينا وسيعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة)، ولذلك أكد الوزير على أن يستمر عدم الاستقرار في السودان، وكذلك تصريحات مدير جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي والتي أشار فيها إلى دخولهم في دارفور، وأن السودان يمثل أولوية في قائمة اهتماماتهم، وأنهم قد أقاموا فيه شبكات تجسس (رائعة). أستوقفتني كثيراً كل المعلومات الواردة في نطاق الجهود الإسرائيلية التي تُمارسها تجاه السودان، وهناك نقاط عديدة تدعو للتوقف عندها في هذه التصريحات الإسرائيلية التي كان مصدرها جهات رسمية إسرائيلية، وهذا في حد ذاته جزء من مفهوم الرسالة المراد توجيهها لتحقيق عدد من الأهداف وفي عدة اتجاهات وأبعاد.. ولكنني لستُ هنا بصدد التطرق بتفصيل أو التركيز- كما قد يتخيل البعض- ولكن تبقى العبرة في التوقف عند هذه التصريحات الإسرائيلية. ومما يدعو إلى السخرية أن البعض يعتقد أننا (سنسكر) بتلك الإشارات الإسرائيلية، وسنبقى ننتظر لأننا شعب السودان يأمل ويُعاند ويرفض الاستسلام لأي أمر واقع، ولأننا شعب تسلح وما زال بالمحبة والإيمان والتفاؤل والخير، وأيضاً لأننا شعب يعلم أن ميدان القول غير ميدان الخيال، وميدان العمل غير ميدان القول، وميدان الجهاد غير ميدان العمل، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطيء. فهل من الضروري أن نُذكَّر بأن قبل أن تبدأ حرب يونيو- 1967- بدأت إسرائيل تروج بحشود إسرائيلية على طول الجبهة السورية، وكانت المخابرات الإسرائيلية قد كثفت جهدها عبر شبكة عملائها لتنمية هذا الخوف بالإحساس من انتشار جواسيسها في كل مكان، واعتبرت قضية إيلي كوهين بمثابة النابالم الفكري- الذي كان يحمل اسم (كامل أمين ثاتب) وتمَّ القبض عليه ومحاكمته وإعدامه، اعتبرته أسطورة نجاح- والسلاح التكنولوجي الفعال لإقناع البعض في العالم العربي بأن الجواسيس الإسرائيليين منتشرون بينهم ويعرفون عن أسرار أقطارهم أكثر مما يعرفون هم عنها!! فهل نُذكَّر بما حدث في هزيمة يونيو 1967 عندما نشرت الاستخبارات الإسرائيلية عدداً من الكتب وجندت عدداً من الكُتَّاب- بغض النظر عن عدم ذكر أسمائهم وبلدانهم- وأمدتهم ببعض الروايات حول نشاطها الاستخباري ليتولوا صياغتها بالأسلوب الذي تهدف إليه وهو إظهار التفوق العسكري الإسرائيلي ومقدرة وهيمنة جهاز الموساد. وهل نُذكَّر أن بعض الدول ترى في أسرار عمليات التجسس التي تقوم بها شيئاً من المحرمات التي لا يجوز البوح بها حتى بعد عشرات السنين نظراً لاتصال الحلقات التجسسية، بل يُعتبر الجاسوس بالنسبة للدولة التي تجنده ثروة مهمة تحتاج لكل وسائل الحماية والرعاية والإندفاع في الدفاع عنه حال اكتشافه! واسمحوا لنا هنا أيضاً وربما يكون مفيداً وضرورياً ونحن نفتح هذا الملف الشائك والحساس، أن نعي تماماً أن هناك تسميات متشابهة لكلمة جاسوس في اللغات الأجنبية، فهي بالفرنسية(إيسبيون)، وبالإنجليزية (سباي)، وبالإيطالية(سبيوني)، وبالأسبانية(أسبيون)، وبالروسية (شبيون)، وبالألمانية (سبيون) وفي اللغة العربية قد تستخدم تسمية (المخبر) أو (العميل) أو رجل (الاستخبارات) أو رجل (المخابرات)، أما بالإسرائيلية فنتركها لأحد صقور الدولة الإسرائيلية- المخابراتية- فربما تكون آخر الفصول المخابراتية لتوجيه رسالة (بلف) مفخخة ككل الرسائل التي أرسلوها، وكالعادة رسالة ترهيب للشعب السوداني لتركيعهم وتذكيرهم بأن الموساد وعملاءه موجودون! ولابد من التذكير هنا للحكومة السودانية وجهاز المخابرات السوداني، بأن حقوقنا الوطنية معروفة، أعلنها الشعب السوداني بكل وضوح وجلاء على لسان أحزابه الوطنية- وليس أحزاب التوتر الإنشائي- وهيئاته وأفراده في كل المناسبات وهي: تحقيق مصلحة الحفاظ على أمن وسلامة الدولة وخاصةً أن الدولة منذ أن قامت إنما قامت على أساس نشر القيم الدينية وتعاليم الإسلام، مما أثار ضدها ضغائن أعدائها! ولن نضيف جديداً إذا قلنا إن من الوظائف المهمة للمحافظة على أمن ومصالح الدولة.. التعرف المسبق على نوايا وخطط وتدابير من يضمر أو يظهر العداوة، وكذلك من قد ينحرف مع ذلك التيار لسبب أو لآخر، ولا يُمكن إلّا الإشادة- بالرغم من تحفظنا- لنشر الجهود التي قام بها جهاز المخابرات السوداني بدعمه ومُساندته على إلقاء القبض على سيف الإسلام القذافي! والإسلام الحنيف يعلن الحرية ويزكيها، ويقررها للأفراد والأمم والشعوب بأفضل معانيها، ويدعوهم إلى الاعتزاز بها والمحافظة عليها ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس مني)، وهو يحارب هذه اللصوصية الدولية التي يسمونها الاستعمار بكل ما فيه من قوة، وقد وعد الله المجاهدين للحق أن يدافع عنهم، وينصرهم لا محالة على أعدائهم مهما يكن عدوهم كامل الأهبة، عظيم العدد، موفور العدة، قوي الوسائل، وعليهم ألّا يعبأوا بذلك، وأن يعتمدوا على الله وحده. وأما الشعب السوداني، فنحن نقولها في صراحة وثقة، إنه على علم أننا ما زلنا مع إسرائيل، حيث كنا لم نتقدم خطوة، ولابد من تهيئة الشعب لذلك بدعاية واسعة وكاملة كما تفعل الأمم إذا واجهت حالة الحرب الحقيقية، وتغيير الأوضاع الاجتماعية على هذا الأساس، وهذا العمل لا يتسنى للأفراد ولا للهيئات ابتداء، ولكن الحكومة وجهاز المخابرات السوداني هما المسؤولان عنه أولاً وأخيراً، أما إذا كان هناك تردد وتراخٍ واضطراب فلن يؤدي إلّا إلى أحد أمرين، إما أن يثور الشعب السوداني، وإما أن يموت، وكلاهما جريمة وطنية لا يغتفرها أبداً التاريخ. وخلاصة القول: إنه من واجبنا أن نأكل من عنقود العنب خير حباته أولاً، وهو ما يعني أن المهام الصعبة التي يستحيل إنجازها في مرحلة، يتوجب تقسيمها إلى عدة مراحل بحيث يركز كل الاهتمام لقضية بعينها في كل مرحلة على حدة، وبالتالي ينبغي ألّا ينظر الإنسان إلى أبعد من المرحلة التي هو بصددها مثلما يفعل متسلق جبال الثلج الذي يقتطع من الثلج ليشق طريقه خطوة بعد أخرى دون أن يرفع نظره إلى القمة أو يخفض نظره إلى القاع، لأنه إن يفعل هذا أو ذاك فسوف يستولى الرعب على قلبه.. معقولة يا (إيتان)!