هناك مشكلة اسمها (الإنطباع الحسن) حين لا نحافظ عليه، فهو مثل الصعود للقمة، الأهم منه هو البقاء فيها، المحافظة على (المستوى) ثقافة إنسانية مشاعة، لا يمكن أن نتجاهل مغزاها، حتى ولو كنا بصدد الحديث عن نجاح هش أبطاله متعجلون للنتائج، وحديثو عهد بالسوق والوظائف المبهرة أو بالإستثمار، أوالدخول فى النت، كما هي (الموضة). أسفار العيد لأنحاء الولايات عبر بصات سياحية فاخرة، وطرق معبدة، ومواعيد أفضل من بعض خطوط الطيران، أفلحت فى تكوين إنطباع مريح للغاية لدى المسافرين، برغم إرتفاع فئات التذاكر، والضيق من عيون الرادار، والضجر من ضوابط التفويج، الذي قصد أن تبقى أيام العيد مفرحة بإذن الله.. لقد أنسانا ذلك متاعب السفر سابقاً، واستغرقتنا المقارنات لصالح التطور الذي حدث، ولكن. في ختام هذه الأسفار، وفي طريق العودة للخرطوم، من حاضرة الجزيرة حدث ما لم يكن فى الحسبان، فالبص السياحي الذي أقلنا بشغف وتحرك بهمة، وفى موعده، تعطل فجأة، وتوقف تماماً وأثار حيرة فى اجوائه الرائعة، فبدد انسجام الركاب مع ما كان يشغلهم من أسمارالعيد وذكرياته، ونكات فرق الكميديا على الشاشة..! تلاحقت الإحتجاجات والإسئلة عن بدائل محتملة كالصيانة العاجلة، أو استدعاء بص بديل، ولكن الذي حدث هو أن البص المعتل واصل زحفه بعد ان تخلى تماماً عن (سياحيته) مدفوعة الأجر، وتحول إلى مجرد (لوري) بائس، حيث وجه السائق بإزاحة الستائر، وفتح النوافذ، لأن التكييف تعطل، ولا سبيل لإصلاحه..! الركاب لم يحتملوا المفاجأة، والمشوار في أوله، والوضع الطارىء تحت الشمس، ومواجهة الرياح أفسد عليهم حلم السفر المريح بثمنه، فتحول البص إلى قناة فضائية مشاكسة، يسيطر عليها محللون، وكاشفو مستور، ومتخصصون فى أعراض الناس.عجبت لما ترامى لذهني من ألفاظ منددة بصاحب البص، وبالجهات التي تمنح أمثاله التصديق بالعمل، ببصات (خردة) فتركت جانباً الكتاب والجوال والصحف التي منيت نفسي بالاستمتاع بها خلال الرحلة في هذا السياحي الفاخر، أو الذي كان يبدو كذلك، حين وقع عليه اختيار مضيفي منوهاً إلى أنه لشركة جديدة، وذلك إمعاناً في إكرامي، أين كانت تختبىء كل هذه الإنتقادات الحادة، التي لم يسلم منها صاحب البص، ولا الجهة التي قامت بالاستيراد، والمسؤولين بالولاية التي تحمي مثل هؤلاء الذين يجلبون للبلاد الخردة، على أنها آخر صيحة بقليل من التعديلات.. بصات استهلكت في بلادها تصدر لبلادنا وبالعملة الصعبة، وتزلل لها الاجراءات واللوائح، ويصعد على مشروعها عشاق النجاحات السهلة والكسب الرخيص.. هذه هي الخلاصة، وبعضها لا يصلح للنشر، مما يحرض على الظن بأن هناك ملفات لفساد مسكوت عليه فى عصر لا سر فيه.. هكذا سيرة وانفتحت لمجرد ظهور حالة إهمال، الحادث صغير ولكن الشرارة من خصائصها أنها صغيرة. نحن جزء من هذا العالم، ونتابع ما يحدث فيه يومياً بسبب الإهمال والإستهانة بحق المواطن.. الأمر سيان سواء كنا داخل بص أم فى مؤسسة أو ولاية.. استوقفني هذا المشهد الدرامي المفاجىء المتفجر، فتصورت كيف تنسج المشاكل الطارئة خيوطها ببراعة وبفعل فاعل اسمه الإهمال، ليجر إلى سلسلة أوضاع مدمرة للمعنويات، ولم تكن فى الحسبان أصلاً.. تشكلت أمامي صورة المشهد كالآتي: أولاً: هى حالة (تنفيس) عن غضب دفين تفجر في مواجهة موقف صعب ما كان متوقعاً. وثانياً: تدفق المعلومات والآراء الناقدة من جمهور أهدر حقه المكتسب بحر ماله. ثالثاً: سهولة اندلاع حالة ملغومة بأدق الأسرار في لحظة غضب مصنوع. رابعاً: حقوق المواطنين التى تحكمها نظم وعقود، ينبغي أن لا يستهان بالوفاء بها. خامساً: الثغرة في الأداء والشبهة في السلوك، يمكن استغلالها بصورة بشعة متى حدث تقصير أو إهمال يستفز الجمهور. هل في الأمر (ظاهرة) إجتماعية أو سياسية تتعلق بطريقتنا في التعامل مع المواطن، بينما الأوضاع حولنا تعظم من شأن الحق العام، وتحذر من إنتاج حالة إستعداد لتشكيل ثغرة واقتحام المستور! أين المناصحة المخلصة في مواجهة الأخطاء والبؤر الجاهزة للاشتعال لدى أي تضييق على الغير يمسهم في مأمن ويسلبهم راحتهم! . لابد من توفر المصداقية والشفافية والثقة المتبادلة، الثلاثة معاً، كأساس لذلك وفي إطار كلي يحترم إنسانية الإنسان الذي كرمه الله تعالى.. الآن العالم كله مهيأ للتجاوب مع (حقوق الإنسان) سياسياً، ومع مايسمى علمياً وبلغة الجودة راحة الجمهور و(إرضاء الجمهور، بل إسعاده)، حيث يوظف العلم وسائل العصر فى هذا الإتجاه مدعوماً بهذه القيم حتى لايبقى السر دفيناً، والشكوك متأججة بين أطراف الحق العام.. الكمال لله وحده، ولكن تجنب الثغرات واجب، في الأداء العام والسلوك الشخصي معاً، وفتح أبواب النقد والمناصحة لتجنب الأخطاء، وقبل ذلك إتقاء الله في حقوق الغير . لابد أن يصبح الإتقان قاعدة، حتى إذا حدث الإهمال يوماً كان بمثابة استثناء، تجاوزه مقدورعليه وعن ثقة. على المستوى الفردي والمؤسسي نحتاج لانطباع حسن لا يتزعزع.. حالة هذا البص السياحي التي تبدلت فجأة، غيرت نفسيات الرحلة وجمالياتها، وأعطت دليلاً على قدرة البعض لإفساد المناخ العام، وإرباك الثقة في التعامل مع الجمهور، ولكن هناك إنطباع حسن نحو الاداء العام عموماً، وهو ما جعل الأمر في غاية الإزعاج، ومشوه لصورة التطور الكلي للبلاد. التطور شيء متكامل، الخدمة الممتازة، الثقة، المصداقية، والشفافية فى كل حال، بحيث لا ندخر نقدنا وكشفنا للأسرار ليوم تسوء فيه الأحوال،، إن ثورة الإتصالات والبرامج التفاعلية فى الوسائط الإعلامية والصحافة، أصبحت مسيطرة على المناخ العام فى العام، ومروجة لقيم التعامل الرشيد، مع كل فئات الجمهور(المستهلك، الزبون، المتلقي، المستهدف من مشروعات الإنتاج والتنموية)، فلنتذكر أن فرص التكنولوجيا بإمكانها- لو أحسنا التعامل معها- أن تعيننا على تأسيس قيم(المعاملة الحسنة) في المجتمع والدولة، وفي إطار من الثوابت العاصمة بإذن الله من الحرج والتقصير وكشف الحال، واللهم سترك.