عُرفت المرأة على مر الدهور بالغيرة المفرطة وتحكيم العاطفة قبل العقل والتسرع في اتخاذ القرارات.. لاسيما تلك التي تمس «جوهر أنوثتها» أو إحساسها بكيانها وكبريائها ومكانتها..!! وتلك من جبلة البشر بنوعيه.. وإن كانت في النساء أكثر لطبيعة المرأة الرقيقة الضعيفة التي يسهل انكسارها.. ويعظم في دواخلها كل معنى قد تظن أنه يحط من قدرها..! وكانت ولازالت مشكلة التعدد أو الزواج بأكثر من واحدة من أكبر المواجهات والتحديات التي تقابل المرأة أو الزوجة في حياتها مهما بلغت من العلم والثقافة والتدين.. وحسن الأخلاق وتختلف طبيعة ردود الأفعال من امرأة لأخرى بحسب المعطيات أعلاه أو بمعنى أكثر دقة بحسب «طبيعة وسلوك تلك المرأة»..! ويحكي التاريخ وكتب السيرة، عن غيرة حتى أمهات المؤمنين في البيت النبوي الشريف.. وها هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة في عز صباها ونضرة شبابها وحب الرسول لها تشغلها الغيرة عن تلك الضرة التي سبقتها إلى قلب «محمد» صلى الله عليه وسلم واستأثرت به وحدها حتى يومها الأخير.. ثم ظلت بعد موتها حيث كانت في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم. أقبلت «هالة بنت خويلد أخت خديجة» لزيارة المدينة وسمع المصطفى صلى الله عليه وسلم صوتها في فناء بيته وكان يشبه صوت خديجة العزيزة الراحلة والزوجة الأولى للرسول صلى الله عليه وسلم فهتف خافق القلب -اللهم هالة..! وأسرع نحوها..! -فما ملكت عائشة رضي الله عنها أن قالت: «ماتذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين -هلكت من الدهر أبدلك الله خيراً منها؟». فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم ورد عليها قائلاً «والله ما أبدلني الله خيراً منها.. آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الله الولد دون غيرها من النساء..!! فسكتت عائشة وقالت: والله لا أذكرها بعدها أبداً!!».. وكانت شديدة الغيرة عليه.. وحين تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من بنت عمته زينب بنت جحش بعد أن نزلت الآيات من السماء «.. فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوَّجناكها..».. فكانت تتباهى زينب بذلك وتقول زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات.. ولما سمعت عائشة رضي الله عنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك»!!. ولم ينكر عليه الصلاة والسلام تلك الفطرة في حواء، ولكن أن تمتد تلك الغيرة بعد زواج الرجل وولادة الأبناء.. لتمنع الزوجة اختلاط الأبناء كرها في الزوجة الأخرى، لا بل تغذي في أبنائها ذلك الكره والحقد حتى ينشأ الاخوان كالأعداء والخصوم.. فذاك أمر أكبر وأعظم من حدود الغيرة العمياء والأحقاد المتقدة..! زاوية أخيرة: إن فصم رابطة الأخوة والدم جريمة في حق المجتمع.. وعلى الرجل الذي استطاع أن يمارس حقه الطبيعي في الزواج أو التعدد أن يملك القدرة والشخصية ليجمع كل أبنائه تحت مظلة الحب والأخوة الصادقة.. فهو لايستطيع أن يجبر الزوجات الضرائر على المحبة والتآلف، ولكنه يملك الحق فيمن يحمل اسمه.. وإلا فلا داعي أن يدمر قلب زوجته ويزيد المجتمع مزيداً من الفرقة والشتات.