وأخيراً خرجت الحكومة العريضة إلى الوجود، وهي عريضة بحق، وقد شارك فيها ما لا يقل عن خمسة عشر حزباً وتنظيماً سياسياً. وتبعاً للوزن وقسمة الكعكة، فإن التركيبة الوزارية قد تكونت من 31 وزيراً اتحادياً و35 وزير دولة اتحادي، وهذا ليس بالعدد القليل، ولكن توسيع الحكومة في هذه الفترة له ما يبرره، والاتحادي «الأصل» كان له وجوده ورمزيته في السابق ودوره الكبير مؤخراً في ما عرف بالتجمع الوطني الديمقراطي. حيث كان السيد الميرغني رئيسه وكانت له علاقته الخاصة بالحركة الشعبية لتحرير السودان ابان تلك المرحلة وقبلها، والإحالة هنا إلى «اتفاق الميرغني قرنق» في نوفمبر 1988م. على أن ذلك كله «كوم» والوضع الحالي «كوم آخر» في الحزب الاتحادي «الأصل» وغيره، ولا نملك إلا أن نقول: اللهم أرنا خيراً.. وأسمعنا خيراً. فالشراكة السياسية في غياب المؤسسية وضعف ثقافة التآلفات والتحالفات الحزبية والنشأة السياسية في بلادنا بشكل عام، وبالرجوع إلى الماضي نجد أننا لسنا على كبير ثقة بأن يكون الناتج والمردود من هذه الحكومة العريضة على قدر ما هو متوقع ومطلوب، ولكن: أن توقد شمعة خير لك من أن تجلس ساكناً وتلعن الظلام..! المؤتمر الوطني والاتحادي (الأصل) وهما الحزبان الكبيران في الحكومة العريضة أوقدا شمعة على كل حال.. وبقى أن نرى إلى أين يمكن أن نسير بهذه الشمعة، وسحب الظلام تتكاثف من حولنا وربما تسد الأفق. فالعمل سوياً كحكومة ائتلافية ذات برنامج وأهداف يحتم العمل بمؤسسية وتناغم وليس نقمة حزبية أو رغبة في الشخوص والبروز الفردي، كما كان يحدث في حكومات ما بعد الانتفاضة الائتلافية «1986»، وتلك هي الثقافة التي كانت سائدة يومها -إذ الدكتور أبو حريره، وزير التجارة يومها والسيد الصادق المهدي رئيس الوزراء كان بينهما «ما صنع الحداد بالفأس!» وكان الحل في مغادرة أبي حريرة الدست الوزاري ليبقى الائتلاف بين الأمة والاتحادي معافىً بعض الشيء. فاللهم أرنا خيراً وأسمعنا خيراً والحال لا يخلو من تلك المؤشرات.