الدهشة والانبهار هما الحالتان التي لا تفارقان الزائر مثلي لقطر ولعاصمتها الدوحة تحديداً، زرت قطر قبل زيارتي هذه في عام 1997 م، وقد مرت اربع عشرة سنة على هذه الزيارة، وبالأمس كنت عاقداً الحاجبين وواسع العينين(منفجل العيون)، وأنا أكاد لا استوعب حجم ما أرى من تغيير طال كل شيء.. ومطار قطر الذي ينتظر أن يكون مطاراً عالمياً قد تغير بشكل كامل، وأصبح لا يقل عن المطارات العالمية بمرحلته هذه..! وخارج المطار تدهشك العمارات والأبراج الشاهقة والطرق الواسعة العريضة الطويلة، ولكن الأهم من ذلك كله كما أشرت في مقال سابق هو الإنسان، فهو الذي يحقق التقدم والتطور ويحقق الحياة التي يُريد.. وقطر التي تحقق في كل يوم فتحاً جديداً في كل مجال، تستضيف هذه الأيام دورة الألعاب العربية في نسختها الثانية عشرة في الفترة من 9 - 23 ديسمبر2011 وقدمت للعالم كله دورة مبهرة رائعة منذ افتتاحها وحتى اللحظة.. وما أجمل وما أروع أن تكون وسط المشاركين في دورة الالعاب العربية 2011م، وفي عمق قريتها الرياضية الاولمبية التي تحتضن كل المشاركين في الدورة من الأقطار العربية.. وهي ترفع شعاراً جميلاً(الديار.. بعيداً عن الديار)، حياة مدهشة تنتظم القرية الرياضية، وتنظيم دقيق، وسهولة في كل شيء بدءاً من الاستقبال في المطار، وحتى وصولك مقر الدورة، ومن بعد اجراءات التسجيل وتسليمك البطاقة التي تحقق لك الإقامة في القرية والتنقل بحرية في الاماكن المخصصة للمشاركين.. لا جلبة ولا ازعاج ولا ضوضاء، كل شيء يتم بنظام دقيق وفي وقت سريع وبحساب دقيق، ولا تحتاج لكي تسأل عن شيء فكل شيء متاح بين يديك، بطاقتك هي مفتاح كل شيء، وبدونها لا تستطيع أن تأكل أو تشرب أو تتحرك.. وبها تفتح لك كل الأبواب المغلقة.. كان أول من استقبلنا في مطار الدوحة شابة من اليونان، وقامت بتسهيل كل اجراءات خروجنا من المطار، وبسلاسة وسرعة فائقة، وسلمتنا بعد ذلك إلى مسؤول الحافلة الأنيقة التي أقلتنا إلى القرية، وبعد وصولنا إلى مقر القرية، دخلنا إلى خيمة واسعة.. ولاكمال التسجيل كان علينا الانتظار إلى حين وصول مندوب البعثة السودانية لاكمال الإجراءات، واستجبنا لدعوة مفتوحة لأخذ قسط من الراحة، وشراب من ما نريد من بارد وساخن.. وحيث إن التعب والارهاق قد بلغ مداه بعد رحلة طويلة بطيران الخليج عبر المنامة ثم الدوحة.. فقد جاءتنا الدعوة برداً وسلاما.. وماهي دقائق حتى سعدنا بمقدم الأستاذتين هزار وإيناس مندوبتي وزارة الشباب والرياضة السودانية، والأستاذين فضل الله وعبد الباقي من اللجنة الاولمبية، وذلك لاكمال الاجراءات، وكنا عشرة أشخاص من اتحاد الملاكمة والجودو، وشخصي من وزارة الشباب والرياضة.. والزوارق الشراعية التي كان من لاعبيها المميزين ثلاثة من الفتية الصغار في سن تتراوح بين الحادية عشرة والثالثة عشرة من العمر، وسجلوا حضوراً جميلاً منذ بدء الرحلة من مطار الخرطوم وحتى وصولنا إلى الدوحة، ومازالوا يحصدون الدهشة من الجميع، وربما يحققون إنجازاً رفيعاً للسودان بقيادة الأخ محمد ابراهيم مدني.. وماهي إلا دقائق حتى تم التسجيل والاعتماد وتسلمنا البطاقات، ثم طلب منا التوجه إلى قاعة الطعام لتناول الغداء، وكان الجوع قد بلغ مداه بعد رحلة طويلة مرهقة بدأت بالوصول إلى مطارالخرطوم عند الساعة الثالثة صباحاً من يوم الاحد الحادي عشر من ديسمبر..كانت القاعة باتساعها وضخامتها ومئات الكراسي والطاولات التي تناثرت في ارجائها الواسعة قد أدهشتنا، ومئات المشاركين في صفوف طويلة لتسلم الصواني والأطباق والملاعق والشوك والسكاكين..وتصطف امام(بوفيه) لمائدة عامرة بشتى أصناف الطعام، ولك أن تختار ماتريد من أصناف متنوعة، والقاعة على اتساعها يسودها الهدوء والنظام دون فوضي أو ضوضاء..وهي ساحة للتعارف بين الوفود، وبين أبناء البعثة الواحدة الذين قد يلتقون أثناء الطعام فقط.. ثلاث وجبات متاحة للجميع دون استثناء، ولك أن تأكل ماتشتهي وما ترغب دون حجر من أحد.. والخدمات ممتازة والأمن مستتب.. وفي القرية الواسعة التي تتسع ل 6آلاف مشارك، وتضم 305 فيلا و262 شقة مكونة من ثلاث غرف، و37 بناية تضم شققاً من غرفتين وساحة لالعاب، ومسجداً مركزاً ثقافياً في كل مجموعة.. وتمور في القرية حركة نشطة طوال اليوم، حيث تتواصل المنافسات والتدريبات وليالي الأنس مع البرامج الثقافية والترفيهية على هامش دورة الألعاب العربية في نسختها الثانية عشرة.. ولكن مع بدء المنافسات وخروج المهزوم، فإن العديد من الفرق التي لم تحقق شيئاً المشاركة تبدأ بمغادرة القرية عائدة لبلادها، وقد كان فريق الجودو السوداني أول المغادرين من البعثة السودانية، ولكن مغادرة لا يشوبها الحزن فيما يبدو.. حيث أن مسؤولي الاتحاد يعتقدون أن حصولهم على المركز الخامس يعتبر خطوة مهمة على الطريق، خاصة أن المراكز الأربعة الاولى هي للجزائر، والمغرب وتونس، ومصر، وهي فرق تتربع على هذه المواقع لأكثر من15عاماً.. وعلى لسان الأخ حسن عبدالله علي رئيس البعثة فإن فريق الجودو ولأول مرة يدفع رسوم مشاركاته، وبعد عشر سنوات وبمجهود شكره عليه الدكتور نجم الدين المرضي مدير إدارة الرياضة، والأخ عبد الرحمن السلاوي رئيس البعثة.. مما يعد مكسباً وعودة للتنافس القاري والدولي.. وقال إن مشاركتهم في هذه الدورة كان مهماً جداً، ونحسب إننا شاركنا في دورتين عربية وافريقية.. وأشار حسن إلى علاقة مميزة مع اتحاد الجود القطري وإلى شراكة ذكية سيكون لها أثرها في دعم الاتحاد وانطلاقته المستقبلية.. وماتزال الآمال معقودة على العاب القوى وعلى البطلين العالميين اسماعيل ورباح.. حيث ينتظر السودانيون التتويج والحصول على ميدالية ذهبية من اتحاد الذهب، وعلى كل فإن البعثة السودانية تسجل حضوراً مميزاً في انضباطها ومشاركاتها. ومع النجاح الكبير الذي حققته دولة قطر باستضافة هذه الدورة في نسختها الثانية، فإن الكلمات التي قالها الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب العربية، الدوحة2011، وهي أن تكون هذه الدورة انطلاقة نوعية في القدرة التنافسية للرياضيين العرب، لكي يعززوا مكانتهم في المحافل الدولية من بطولات عالمية للرياضات المختلفة، كما في الدورات متعددة الرياضات، وخاصة دورات الألعاب الأولمبية.. ولا شك أن لبنان التي تحتضن الدورة المقبلة في 2015 ستكون في حالة استنفار من الآن، لكي تكون على قدر التحدي والمنافسة مع ماحققته قطر من نجاح غير مسبوق..! متى سنقدم طلبنا لتنظيم احدى دورات الألعاب العربية..؟! سؤال تردد كثيراً من الأخوة السودانيين المشاركين في الدورة،وهم يعيشون في جو رائع من التنظيم وحسن المعاملة.. ويتحسرون على حال السودان الذي أصابه التدهور في كل المرافق وخاصة الرياضة، ولن يستقيم الحال حتى تجد الرياضة مكانها في سلم أولويات التنمية، وحتى تكتمل البنيات الأساسية، ولكن متى نصل إلى ما وصلت إليه قطر أو مصر القريبة فذلك دونه بيد دونها بيد..وربما يكون في قادم الأيام تجديد..!