لقد غبت عن الكتابة لفترة لم تكن قصيرة بسبب انشغالي بترتيبات موسم الحج الذي أخذ منا كل الجهد ونحمد الله أنه انتهى على النحو الذي خططنا له مستهدفين تقديم الخدمات الضرورية للحجاج بالصورة التي تحوز على استحسانهم وقبولهم، ونحسب أننا هذا العام أرضينا أنفسنا ونأمل أن يكون ذلك زاداً وخبرة تعين على المزيد من التجويد، فإن كنا قد نجحنا فهذا ليس بسعينا، بل فضل الله علينا بعون أخوتنا الكرام في الهيئة العامة للحج والعمرة، وكذلك المساندة العظيمة التي وجدناها من الدكتور/ خليل عبد الله وزير الإرشاد والأوقاف، فلجهده عظيم الأثر فيما تحقق من نجاح، وقد فات عليّ بسبب الانشغال هذا أن أشارك برأيي المتواضع في أمور كثيرة مرت، غير أنني تابعت تقديم وزير المالية لموازنة العام 2012م في مراحل عرضها المختلفة وما لاقته من جدل أو بالأحرى انتقادات. غني عن البيان أن الموازنة بصفة عامة هي تشخيص حقيقي لحال الاقتصاد السوداني أو انعكاس الأوضاع التي يعيشها الاقتصاد الذي تأثر ابتداءً بأزمتين لا أعتقد أن آثارهما ستزول بالسرعة التي يريدها البعض، فأولى هذه الأزمات ناجمة عن انفصال الجنوب وما ترتب عليه من الآثار المباشرة على مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية وبالطبع الاقتصادية، حيث فقد السودان 50% من إيراداته تقريباً، فللنفط مساهمته المباشرة في دعم الموازنة، كما أنه ساهم أيضاً في التطور الاجتماعي طوال العقد المنصرم، تبعه تغير في تقدير المواطن للأساسيات والكماليات فاتسع نطاق اقتناء السيارات حتى أصبحت ضرورية بفضل اعتياد البعض على استخدامها، ولأثرها احتلت مكانها ضمن ضروريات الحياة، مضافاً لذلك الكساد الاقتصادي العالمي حيث انهارت اقتصادات دول كبيرة كاليونان وإيطاليا وأسبانيا، بينما هناك احتجاجات متزايدة انتظمت المملكة المتحدة وفرنسا وأمريكا بسبب سياسات التقشف وانكماش الدعم الرسمي عن المجتمعات في تلك الدول، فالاقتصاد السوداني ليس منعزلاً عن حركة الاقتصاد العالمي، علاوة على ضعفه وتخلفه فإن الانخفاض الكبير في إيرادات النقد الأجنبي الذي خلقه خروج البترول لم يدع عافية للاقتصاد السوداني، بل أصبح أزمة إضافية، وقد استطاع وزير المالية علي محمود والحال هذه، أن يدير الاقتصاد في هذه المرحلة الصعبة في تاريخ السودان، بل تمكن من العبور بالبلاد إلى مرافيء الأمان دون أزمة أو اختناقات لا في الفصل الأول ولا في موازنة الصرف الجاري، بالإضافة لتوفير التمويل لمواجهة الصرف على الأمن الاجتماعي والغذائي، فالصرف على هذين المطلبين ضخم للغاية ويمكن أن نصفه باللا متناهي وتتقلب به الكثير من المفاجآت، فالمطلبان الآنفان جزء من مصاعب الاقتصاد القليل كسائر أحوال الدول النامية؛ لعل الموازنة لا تعدو أن تكون مزاوجة بين الموجود والممكن لمقابلة الصرف على الخدمات واحتياجات دولة علاوة على سعي الموازنة لضمان تمويل ما لا يقل عن 25 ألف وظيفة للخريجين، فهذا الاقتصاد الضعيف لا يقوى على استيعاب تطلعات المواطنين على نطاق واسع ومتنوع، فالموازنة التي عكف على وضعها دون شك خبراء أرادوا من خلالها رفع كفاءة الاقتصاد السوداني ليستجيب لمطلوبات الحياة الكريمة للمواطنين، ونحن نؤمن بقدرة الإنسان على تحقيق آماله وتطلعاته والتغلب على مشكلاته، وهذا يتطلب أن يقف المواطن السوداني على حقيقة أمر الاقتصاد وعلى حجم المشكلات التي تجابهه بغية وضع الأيدي على مفاتيح الحل لهذه المشكلات، وذلك يستدعي بالتأكيد علاجاً يعتمد على التضحية الضرورية لإنجاز العلاج بالسرعة المطلوبة ودونها الغوص في الوحل إلى الدرجة التي تستعصي على الحل، فمن منا لا يعرف حال الاقتصاد السوداني وقضاياه، فالحال معروف ومعاش ويحتاج إلى ذات الشجاعة التي تحلى بها وزير المالية الذي وضع يده على الداء وإحضار الدواء الناجع بكل صدق وصراحة (فمن المستغرب جداً أن ينتقد البرلمان هذه الموازنة الفريدة والصريحة التي أبانت الحقائق المتعلقة بأداء الاقتصاد إجمالاً، وليس محتملاً أن يستقيم الحال أو يتعافى الاقتصاد دون علاج، فلقد قدمت الموازنة أهونه وأيسره، فارتفاع أصوات المعارضين لزيادة سعر البنزين تحديداً بزعم أنه يضر بحياة الكثيرين، فهذا ليس إلا تباكي على الماضي القريب، فالإبقاء على دعم البنزين لابد من النظر إليه عبر جدواه الاجتماعي، فهو أقل شمولاً فأغلب المواطنين لا يمتلكون سيارات والعدل والإنصاف يقتضي الالتفات إلى حزمة سلعية ضرورية جديرة بالدعم، فالاستجابة لهذه الأصوات محاولة لوصف الأغنياء بأنهم ليسوا فقراء فقط وحجب دورهم الضروري في دعم الاقتصاد ولعلنا نقصد المقتدرين دون ريب. عدم تنفيذ الزيادة سيتولد عنه وضع أخطر منها، فحشد التأييد لإسقاط الزيادة هو هروب إلى الأمام واختباء وراء معاناة الفقراء وتجيير مأساتهم لمصلحة من يفترض أن يضحوا بتحمل نفقات رفاههم الشخصي لمصلحة من يعيشون في القاع). ختاماً يحق لنا نحن أبناء دارفور أن نفخر بما قدمه الوزير علي محمود الذي استطاع بجرأته وصبره إدارة حقيبة المالية في فترة مليئة بالتحديات الجسام والمزالق العظام، والشكر لسعادة رئيس الجمهورية المشير/ عمر حسن أحمد البشير صاحب اختيار القوي الأمين لمالية السودان. مدير عام هيئة الحج والعمرة