السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وحدة السودان ومؤتمر القمة العربية الأفريقية القادم
نشر في آخر لحظة يوم 21 - 12 - 2011

بعد حوالي أربع وثلاثين سنة من عقد القاهرة للقمة الأفريقية العربية، يتم عقد الدورة الثانية في ليبيا في شهر أكتوبر الجاري، وسط متغيرات دولية وإقليمية وعربية وأفريقية عديدة. عقد مؤتمر القاهرة في وقت حققت فيه جمهورية مصر العربية نصرها الكبير بالعبور واجتياح خط بارليف، وإيجاد تعادل عسكري مع اسرائيل، بل وتوفق دبلوماسي على الدبلوماسية الإسرائيلية على مستوى القارة الأفريقية، حيث قطعت 37 دولة أفريقية علاقاتها مع اسرائيل، كما أتاح نصر 6 أكتوبر للدبلوماسية المصرية فرصة المناورة والتحرك ما بين القطبين الأمريكي والسوفيتي لتحقيق أكبر قدر من المزايا الاستراتيجية والسياسية. تبدل الحال حيث أعادت كل الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل، كما أن مصر نهت حروبها مع إسرائيل كما لم تعد معادلة القطبين حاضرة، وأصبحت أمريكا القطب العالمي الواحد- في حالة تحالف استراتيجي مع إسرائيل، كما أن التعاون العربي الأفريقي في إطار الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، لم يتحقق منه الكثير نسبة للخلاف الجزائري- المغربي حول قضية البوليساريو، والذي أدى لانسحاب المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية وتجميد عضويتها فيه، نسبة لاعتراف منظمة الوحدة الأفريقية، ومن ثم الاتحاد الأفريقي بحكومة البوليساريو أي حكومة الصحراء المغربية، التي لا وجود لها في الأرض المغربية، وأدى الإنسحاب المغربي لاشكالية كبرى في حركة التعاون الجماعي بين المغرب العربي والاتحاد الأفريقي، لأن المغرب كانت رئيسة لجنة التعاون العربي الأفريقي في جامعة الدول العربية، وبما أنها مسنودة من الدول الخليجية فإنها نجحت في إغلاق هذا الملف، بحيث انعدم تماماً التعاون المؤسسي بين الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، ولم يبق إلا التعاون الثنائي، ولعل في طليعة دول التعاون الثنائي ليبيا التي مكنتها عوائدها البترولية من دعم كثير من الدول الأفريقية في مجال العون العسكري والفندقي والبترولي، كما نشطت في المجال السياسي في تشاد وزبمباوي وأوغندا، وغيرها، أما مصر ذات الوجود التاريخي والثقل الحضاري، فما تزال قائمة بدورها في التعاون الثقافي والفني مع كثير من الدول الأفريقية، كما أن للبعثات الأزهرية حضوراً في عدد من الدول الأفريقية، بينما تعتبر القاهرة قبلة الشباب الأفريقية المتطلع لمتابعة ترقيته العلمية والأكاديمية: كما أقام السودان جامعة أفريقيا العالمية التي أصبح لها حضور في معظم الدول الأفريقية، كما أقامت المملكة العربية السعودية علاقات قوية مع الدول الأفريقية ذات القوانين الإسلامية، نسبة لوجود الحرمين، وما يستتبع ذلك من طلب للعمرة والحج والتعليم والتجارة، كما أن للمغرب العربي حضور كبير في وسط الدول الأفريقية الفرانكفونية، مثل السنغال، وبوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، خاصة أن كثيراً من الجماعات الدينية في هذه الدول تنظر لملك المغرب كمنبع من منابع مدده الروحي، وتنظر للمغرب كمدد للطريقة التيجانية بتشعباتها المختلفة، ولليمن حضور في شرق أفريقيا، خاصة في جيبوتي وبعض نواحي أثيوبيا، كما أن اللاجئين الصوماليين والإثيوبيين دائماً يطلبون اليمن كأرض ملجأ وملاذ. وفي السابق كان هناك علاقات قوية بين سلطنة عمان وجزيرة زنجبار، إلا أن ذلك تقلص كثيراً، ولم يعد هناك سوى قنصلية عمانية ترعى شؤون الزنجباريين من أصول عمانية، كما توجد في كينيا وتنزانيا كليات علمية تقوم بتمويلها لجنة العون المباشر الكويتية، وتقوم جامعة أفريقيا العالمية بالإشراف الأكاديمي، كما برزت عدة جامعات الإسلامية في أوغندا، والنيجر، وتنزانيا، مدعومة من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي وصندوق التضامن الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، كما أصبح لعدد من الدول الأفريقية مصالح تجارية مع المنطقة الحرة في دبي ودول الخليج، وكل ذلك على أساس التعاون التجاري، والعلاقات التجارية الحرة. إذن فإن التعاون المؤسسي المأمول والذي نصت عليه مواثيق مؤتمر القمة الأفريقية العربية لعام 1977م، لم يبرز منه إلا المصرف العربي للتنمية في أفريقيا، والذي قام بدور كبير في التنمية في عدد من الدول الأفريقية، وساهم منذ إنشائه عام 1975م- وحتى 2008م في تشجيع الاستثمارات العربية، لتسهم في شتى مجالات التنمية في البلاد الأفريقية وخلال هذه السنوات، غطت تمويلات المصرف مشروعات البنية الأساسية كالطرق، والموانئ، والمطارات، والسكك الحديدية، والسدود، وتوفير مياه الشرب، ومشروعات الصرف الصحي وفي مجال الزراعة واستصلاح الأراضي، وحفر الآبار وقنوات الري وتنمية الثروة الحيوانية والمياه الريفية، والمشروعات التي تسهم الجفاف والتصحر، وفي مجال توليد ونقل توزيع الطاقة الكهربائية، إضافة إلى بناء المستشفيات والمراكز الصحية، والمدارس والجامعات إلى جانب تقديم القروض الإنتمائية، وتمويل القروض الصغيرة ومتناهية الصغر في القطاع الخاص. وقد استفادت 42 دولة أفريقية من تمويلات المصرف للمشروعات التي تعتبر ذات أولوية بالنسبة لها.. وفي بعض الحالات تكون هذه المشروعات ذات صبغة إقليمية تفيد عدداً من البلدان الأفريقية في آن واحد. ولكن من المؤسف أن المصرف العربي يتحاشى تمويل المشاريع الطبيعية الثقافية، مثل دعم الجامعات العربية والمدارس، والكتاب العربي، واللغة العربية في أفريقيا، وبذلك تم إضعاف الدعم الاقتصادي لأنه بدون محركات ثقافية ولغوية على عكس دعم الاتحاد الأوروبي للدول الأوروبية، الذي يعطي أولوية للديمقراطية وحقوق الإنسان، واللغات والقضايا الثقافية. استصحاباً لذلك، فإن مؤتمر القمة الأفريقية العربية القادم يحتاج لإعداد دقيق، كما يحتاج إلى مراجعات ورؤية نقدية تحليلية للعلاقات العربية الأفريقية، حتى يتم تحقيق كلمة أفروعربية باعتبار أن ثلثي أراضي العرب توجد في أفريقيا، وكذلك فإن من أصل 350 مليون عربي يوجد 220 مليون عربي في أفريقيا، كما أن هناك تواصل جغرافي وحضاري عبر التاريخ، ما بين العرب وأفريقيا، عبرت عنها رحلة مريم العذراء وابنها المسيح من فلسطين إلى مصر، وهجرة الحواريين من فلسطين إلى إفريقيا، وهجرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الحبشة، والإندماج العربي الإسلامي، والتفاعلات العربية الأفريقية في اتجاه أفريقيا. ما يستدعي الوقوف أنه في يوم ما درس الفرنسيون علاقتهم الخاصة مع أفريقيا، وابتكروا مفهوم الأوروبأفريقيا الفرانكفونية كأساس للتعاون الخاص، ونحن بدورنا يجب أن ندرس العلاقات الخاصة الأقدم بين أفريقيا والعالم العربي، ونطلق عليها الأفروعربية. فغالبية الشعب العربي يقطن الآن القارة الأفريقية، كما أن الكتلة الرئيسية من الأراضي العربية تقع في أفريقيا.. ويوجد من المسلمين في نيجيريا ما يفوق عدد المسلمين في أي بلد في القارة الأفريقية بما فيهم مصر، وبعبارة أخرى فإن السكان المسلمين في نيجريا أكبر عدد من السكان المسلمين في مصر والقارة الأفريقية بأكملها، وهي في طريقها لأن تصبح أول قارة في العالم يشكل عدد المسلمين الغالبية المطلقة من عدد سكانها. لكن الأفروعربية ليست مجرد حالة من حالات انتشار اللغات والتضامن الديني، بل أن هذه الديناميات هي المسؤولة عن خلق كل المجتمعات الإثنية الجديدة، وبعد ظهور الجماعات (الكوشية) مثل الشعب الصومالي في القرن الأفريقي، مثال ذلك كانت عمان واليمن والمملكة العربية السعودية، تمثل وسائل مساعدة على ميلاد جماعات جديدة على الساحل الشرقي من أفريقيا، فالثقافة السواحلية والدول- المدن السواحلية- تمثل حقبة كاملة في التاريخ الحديث للتراث السواحلي. وأن الشعب ارتيريا الشجاع يمثل جزءاً من جسر الأفروعربية وحتى البربر فإنهم يمثلون حالة خاصة من الأفروعربية، فاسم (أفريقيا) ذاته قد يجد أصوله في لغة البربر، وكان يستخدم في السابق للإشارة إلى ما يعرف الآن بتونس، فالقارة أخذت اسمها مما يطلق عليه الآن أفريقيا العربية.. فهل هناك حجة أخرى أكثر قوة للافروعربية. لقد كانت هناك هجرات وتحركات السكان بين أفريقيا والجزيرة العربية خلال القرون الماضية، إذ تتوفر أدلة على وجود مستوطنات عربية على الساحل الأفريقي الشرقي، وفي القرن الأفريقي قبل ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن حقيقة أن أول مؤذن عظيم في الإسلام كان سيدنا بلال لدليل على الوجود الأفريقي في مكة والمدينة قبل الإسلام، فقد كان بلال هناك قبل أن يهتدي إلى الإسلام، وهو بذلك يمثل رمزاً لارتباط الجزيرة العربية القديم بأفريقيا، فالأفروعربية تسبق حادثة الهجرة. والإسلام ذاته قديم في أفريقيا قدمه في الجزيرة العربية تقريباً، فقد نشد المسلمون اللجوء الديني في إثيوبيا خلال الفترة الأولى من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حين كان يتعرض هو وأتباعه للاضطهاد بمكة. وقد أظهرت الحفريات الأثرية في شرق أفريقيا آثاراً لمساجد ترجع إلى العقود الأولى للإسلام، وفي الواقع، فإن الإسلام كأساس من أسس الأفروعربية يرجع إلى نحو أربعة عشرة قرناً من الزمان.. وهناك أيضاً أثر اللغة في الأفروعربية، فلا تزال اللغة العربية هي اللغة التي يتحدث بها أكثر عدد من سكان القارة الأفريقية، كما أن أكثر اللغات الأفريقية المحلية تأثيراً هما اللغتان السواحيلية في شرق أفريقيا والهوسا في غربها، كلاهما تأثر بشدة بكل من اللغة العربية والإسلام، وهذا يعد تجسيداً للأفروعربية، كما يشهد متحف أحمد بابا للمخطوطات الإسلامية بكتابة عدد من الكلمات الأفريقية بالحرف العربي، كما أن كثيراً من اللغات الأفريقية تغذت من منابع اللغة العربية. وفي الحقيقة فإن الروابط اللغوية بين أفريقيا والجزيرة العربية أقدم من الإسلام، فالجميع يعلم أن اللغة العربية لغة سامية، ولكن قليلاً من الناس يعلم بأن اللغة الأمهرية- وهي اللغة المحلية السائدة في إثيوبيا- لغة سامية أيضاً، والواقع أن المؤرخين منقسمون حول ما إذا كانت اللغات السامية ظهرت أولاً في أفريقيا ثم عبرت البحر الأحمر، أم أنها نشأت في الجزيرة العربية وإنتقلت إلى أفريقيا في مرحلة لاحقة.. وتعد هذه الشكوك، في حد ذاتها جزءاً من واقعية الأفروعربية، وثمة عمليتين مستمرتين في النظام العالمي الجديد، تسعى كل منهما إلى إعادة تعريف الدولة القومية، حيث تخلق القوى الطاردة الانقسام والنزاعة الانفصالية- والمثال الأشد درامية على ذلك هو تفكيك الاتحاد السوفيتي- بينما تخلق القوى الجاذبة التجمعات الاقتصادية والسياسية الأكبر كالوحدة الاقتصادية الأعمق للجماعة الأوروبية. وفي العالم العربي، كانت الحالات الأشد خطورة على الانقسام الداخلي بفعل قوة الطرد داخل الدول هي حالات السودان والعراق ولبنان، فالعراق يواجه إضطهاداً من المركز ونزعة انفصالية إثنية فالأكراد والشيعة ثائرون ولم تلتئم حتى الآن الجراح التي أصابت لبنان بفعل انقساماته الطائفية، والسودان لا يمثل حالة الانقسام الوحيدة في أفريقيا الناتجة عن قوى الطرد، بل إن هناك نزاعات انفصالية إثنية أخرى في كل من أثيوبيا وليبيريا، والصومال، والسنغال، وبدرجة أقل من الكثافة في نيجيريا. وبالإضافة إلى النزاعات المحلية الطاردة، تظهر قوى اقليمية أوسع للتمزق في كل من أفريقيا والعالم العربي، وتتمثل أزمة الخليج 1990-1991م واحدة من أكثر الأحداث المسببة للخلاف والشقاق في التاريخ العربي الحديث، فقد وقع أحد السيناريوهات التي لم تكن تخطر على بال أحد، حيث ابتلعت دولة عربية دولة عربية أخرى، وأعني بذلك الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990م، والذي لم يدم طويلاً، كما حدث أمر آخر ما كان لأحد أن يتصور وقوعه، ألا وهو قصف مدن عربية بقنابل وصواريخ عربية.. ولم تلتئم جراح الانقسام في العالم العربي حتى الآن. ولكن بينما تعاني كل من أفريقيا والعالم العربي في الوقت الحاضر من الانقسام الداخلي فيما يتعلق بالسياسة المعاصرة، فإن المنطقتين المتداخلتين مرتبطتان ثقافياً بقوى التاريخ والجغرافيا وفي الواقع، فقد حان الوقت الذي أصبحت ما نطلق عليه الآن شبه الجزيرة العربية، جزءاً لا يتجزأ من أفريقيا من الناحية الطبيعية، لذا يجب علينا أن نتحول الآن إلى دروس الجغرافيا الطبيعية للأفروعربية. لذا فإن مؤتمر القمة العربية الأفريقية مؤهل مثل مؤتمر باندونج عام 1955م، الذي مهد لبروز حركات التحرر وولادة الدول المستقلة، فإن مؤتمر القمة الأفريقية العربية مؤهل
لولادة فكرة الأفروعربية، والتكتل العربي الأفريقي، الذي يمكن أن يصبح له وزن وثقل على المستوى الدولي، كما يمكن أن تنبثق منه مؤسسات روحية وفكرية واقتصادية واجتماعية، في هذا المجال الحيوي الذي يتمثل في العالمين العربي والأفريقي. وفي هذا الإطار لابد أولاً من تهدئة الأجواء المغربية/ الجزائرية وطي ملف الخلافات العالقة بينهما، ثم التأسيس لمحاور ولادة جديدة تعطي الأسبقية لاطفاء بؤر التوتر، والتي من أهمها الحفاظ على وحدة وهوية السودان، وكذلك المصالحة الإثيوبية الارتيرية، وإطفاء الحرب الأهلية للصومال، وقيام دولة الصومال المستقرة، كما يمتد ذلك لتعمير علاقات ما بين دول حوض النيل لانسياب العون العربي، في إطار الاستراتيجية المصرية لتنمية العلاقات البينية بين دول حوض النيل والدول العربية. ولعل مؤتمر القمة الأفريقية العربية يقدم خدمة لمشروع الوحدة الأفريقية والوحدة العربية ومشروع الأفروعربية، بالحفاظ على وحدة السودان، لأن السودان أفريقيا مصغرة، ولأنه يضم كل التشكيلات الأفريقية واللغات والأجناس والأعراف، وسيظل السودان مركزاً للتفاعلات الأفريقية، وقبلة للهجرات الأفريقية، لذا فإن نجح مشروع التعاون العربي الأفريقي في السودان ونجحت حركة الوحدة في السودان ما بين مكوناته العرقية والقبلية والسلالية من عرب وزنج ومسلمين ومسيحيين، وأصحاب معتقدات أفريقية، فإن ذلك يبشر بفجر الوحدة الأفريقية، ويبشر بفجر علاقات عربية أفريقية، وإن فشل مشروع الوحدة السوداني، فإن ذلك لن يكون فأل خير على مستقبل العلاقات العربية الأفريقية، خاصة أن النسيج العربي الأفريقي يمتد عبر الساحل والصحراء في معظم مناطق القارة الأفريقية، وما يحدث في السودان سيلقى بظلاله على إبعاد الوجود العربي في أفريقيا، وعلى التفاعلات العربية الزنجية والعربية والأفريقية عبر الساحل والصحراء. إن انعقاد هذا المؤتمر فرصة كبيرة لعمل تاريخي يتجاوز العقد التاريخي والمضابط الاستعمارية، ويؤسس لمشروع انطلاقة للعلاقات العربية الأفريقية، ولعقد سياسي جديد، لذا فإن هذا المؤتمر أكبر من أن يكون مظاهرة سياسية، أو من أن يكون دعاية سرعان ما تخبو. من المطلوب أن يولد هذا المؤتمر مؤسسات روحية وفكرية على مستوى الكتاب والفنانين والأكاديميين، وأن تبرز له مؤسسات تعارفيه كاتحاد الأفروعربية للأنشطة الرياضية، واتحاد الأفروعربية للكتاب، والأفروعربية للبرلمانيين، واتحاد الأفروعربية للجامعات والمؤسسات الأكاديمية، واتحاد الأفروعربية للمصارف والمؤسسات المالية. وبالطبع، فإن هذا كله لا يمكن أن يولد بين يوم ليلة، ولكن إذا كانت النوايا صادقة والعزيمة قوية فإنه يمكن أن توضع النوايا في البيان التأسيسي وفي الأجهزة والمؤسسات التي تنسق مع البيان التأسيسي، أو ما يوضع تحتها من أموال وتجهيزات تمكنها من النمو والإنسياب، بحرية واستقلالية، ومن دون هيمنة أو وصايا، ومع أن التجارب السابقة في إطار الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لم تقدم إلا القليل، فإن هذا القليل أروى ظمأ الكثيرين، وفتح آفاق وآمال للتعاون، لذا من المطلوب فتح القنوات والأوعية مابين العالمين العربي والافريقي، عسى أن يؤدي ذلك إلى بروز كتلة عالمية قوية، وذات تأسيس وبنيات تحت راية الأفروعربية. رئيس جامعة أفريقيا العالمية

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.