هذا العنوان كتبه الصحفي علي أحمد عبد الرضي عندما أصدر مجلة الشباب والرياضة -عدد خاص عن الولاية الشمالية- والتي استمرت في ذلك الزمن (الزاهي) كما يسميه الأخ الصديق زميل الدراسة كامل عبد الماجد بأنها بستان السودان وقد نشرت المجلة تحقيقاً مصوراً معي وكنت أعمل ضابطاً إدارياً أول بمنطقة كريمة/مروي وحملت صورة ذلك الغلاف مشهداً لجنائن نوري ولقد كانت فعلاً الولاية في ذلك الوقت بستاناً كبيراً وكانت أشجار النخيل مثمرة ومنتجة وكنا أيام موسم البلح نزود الأهل والأصدقاء بالخرطوم والمدن الأخرى بالأنواع المشهورة من البلح الرطب وأشهد أن بعض النخيل العجوه كانت تسيل منه المواد السكرية من أعلى النخلة حتى تصل الى الأرض في شكل نقاط حتى تكون تراكما تحت النخيل وكانت الفاكهة أيضاً متوفرة ومتنوعة - فالمانجو كانت تتساقط ثمارها على الطرقات المجاورة للجنائن ويمر بجانبها السكان غير مكترثين لها لوفرتها بالمنطقة وقد كانت تفرش بالأسواق وعند نهاية السوق يترك المتبقي منها لتأكله الأغنام المتجولة بالسوق وقد علمت في ذلك الوقت أيضاً أن ملاك الجنائين كانوا يغزون حيواناتهم بالمانجو المتساقطة من الأشجار بسبب الرياح أو الاستواء الشديد أذكر أيضاً أن نسيبنا المرحوم إبراهيم بابكر كان يملك جنينة مكتظة بأنواع الفاكهة كالمانجو والبرتقال بأنواعه وكذلك العنب وقد كان ناجحاً واليوسفي والتين وقد اشتهرت مناطق نوري والغابة وقنتي بإنتاج كميات مهولة من الفواكه- وقد كانت جنينة السيد علي الميرغني بمنطقة منصور كتي أوسع الجنائن مساحة وكانت تنتج كميات كبيرة من مختلف أنواع الفاكهة ويقوم الخلفاء بالاشراف عليها وللحقيقة فقد كان متاحاً لزوارها من أفراد وتجمعات الأكل من فاكهتها داخل الجنينة مجاناً بشرط ألا يحملوا معهم أي فاكهة الى خارجها وقد أصابت هذه الجنينة المصادرة عند بداية عهد الإنقاذ وإن أجزاء فيها قد تم بيعها بعد إرجاعها ولكنها أصبحت خاوية على عروشها أما في مجال الخضروات فقد كانت الولاية الشمالية مشهوداً لها بإنتاج أجود الأنواع في أراضيها الخصبة ومناخها المناسب وقد كان محصول الطماطم بالجزء الجنوبي من الولاية كبيراً مما دعا لإنشاء مصنع للتعليب بكريمة ليستهلك كميات كبيرة من الإنتاج وكانت عربات المصنع تطوف القرى لجمع الإنتاج وسداد القيمة للمزارعين مباشرة وإن بعض المزارعين كانت أوزان طماطمهم تتجاوز الأطنان ويدفعون مقابلها مئات الآلاف من الجنيهات وعموماً فإن الخضروات والبغوليات كانت تنمو بنجاح كبير في الولاية الشمالية .وقد شهدت بنفسي مرة ترحيل منطقة فزع من منطقة حزيزة (أونز)شرق كوستي الى الخرطوم لأحد المعارض وقد رفعت قطعة القرع الى البوكس بصعوبة وكادت أن تملأ كل صندوقه وقد كانت القطعة محمولة لجناح الولاية الشمالية بمعرض الولاياتبالخرطوم أما المحاصيل فقد كان القمح سيد الموقف ثم الفول المصري الشهير بفول السليم وقد كان المزارعون يحصدون كميات كبيرة دون مساعدات حكومية تذكر .ولكن ما هو الحال الآن بالنسبة للمنتجات لقد كادت التركبية المحصولية أن تتغير كلياً فمحصول النخيل ضعف إنتاجه وذلك بسبب العطش والأمراض كالإسكيل وعدم الاهتمام به والمحصولات النقدية الأخرى تدهورت- فضمرت مساحات القمح والفول وضعف الإنتاج- ذلك برغم التدخل الحكومي عن طريق ماسمي بالنهضة الزراعية والثورة الخضراء وتغطية القمح ولكن دون نتائج ملموسة بل تدهور مشهود ولكن هل للعوامل الطبيعية دور كتغير المناخ وضمور فصل الشتاء أم أن ماقدمته الدولة لم يستغل بالصوره المثلى كما سمعت مرة في حديث لوالي الشمالية . ولكن قد تكون هناك بعض البدائل بدأت زراعتها تتطور بالمنطقة كالبطاطس والبصل وقد نجح البطاطس بصورة ملفتة وأصبح تسويقه مباشر في العاصمة من خلال الطرق المعبدة. ألم أقل لكم إن الصحفي الذي وصف الشمالية في ذلك الوقت ببستان السودان كان صادقاً متضرعين الى الله أن يقوي سواعد أهلنا وهم يدكون الأرض دكاً لتنتج خيراً وبركة.