قال بدأت لعب القمار ومشيت فيه قليلاً قليلاً، صرت ألعب بربع ما معي من مال، ثم بثلث ما معي من مال، ثم بنصف ما معي من مال، ثم بكل مالي، بل بعت التلفون والساعة والموبايل، وبعد ذلك صرت استلف، مرضت به، ولا أكاد أتأخر لحظة عنه ولا عن أصحاب السوء، ضربت أسرتي بعرض الحائط، وعندما لم أجد أي وسيلة لمال ألعب به، اتجهت تحت ضغط إدمان لعب القمار إلى السرقة، وسرقت بعض الأغنام بطريق استدراجها إلى داخل هايس استأجرته خصيصاً بحجة أن لي غنماً ضائعة، وكنت أرمي البرسيم أمامها إلى داخل الهايس ليسهل خطفها (بالهايس)، وكنت ادفع للسائق بسخاء جعله يتغافل عن فهم ما أقوم به، ولم يطل الأمر بي كثيراً حتى غدرت بالسائق ومكرت عليه في دفع ما يريده مني، وتحت شدة الإنفعال والغضب ضربني السائق والكمساري ضرباً وجدت بعده نفسي بالحوادث، وقلت للطبيب والشرطة هجمت عليّ مجموعة من قطاع الطرق.. حكى لي هذه القصة- عندما ذهبت لزيارة قريب لي بالحوادث- عندما تبادلت الحديث والأماني الطيبات بالشفاء العاجل للمرضى، وعندما سأل قريبي عني ناداني وحدي وحكي هذه القصة همساً.. وقال أنا والله العظيم في ورطة شديدة، أضعت نفسي وأسرتي، وحرمتهم من لقمة كريمة، والآن أنا بالحوادث أرى يومياً أشكالاً وأنواعاً من المصابين، وأرى أعداداً من الموتى، وأسمع النطق بالشهادة من كل أرجاء العنبر، ولو خرجت سالماً من هذا العنبر لن أفعل ما يغضب الله أبداً، أدعو لي يا شيخ، وأسأل لي الله العظيم المخرج مما أنا فيه، قلت له توب إلى الله واستغفر، وأدعو في سجودك في الثلث الأخير من الليل، قل وأنت ساجد لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين (إحدى وأربعين مرة) فقل بعدها؛ يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، أغفر لي وأرحمني وأهدني إلى صراط المستقيم فإني مقبل عليك بذنوب كبيرة لا يغفرها أحد سواك. عدت بعد أيام لأسال عن قريبي وأخباره، وسألته عن جاره فقال لي أخرجوه إلى المنزل، قلت تعلم أين منزله؟ قال: نعم وهذا رقم التلفون، قلت لنفسي أزوره لأكسب الأجر والثواب، ولعل زيارتي تكون عوناً له في مساره نحو التوبة.. الحمدلله لقد وجدت صاحبنا وهو في حالة خشوع وتذلل لله رب العالمين، ويطيل الدعاء في السجود، ورأيت أثر الدموع تنزل من عينيه خشية من الله فقلت له: يقول حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله). قلت له موصياً: قوي صلتك بالله وأطلب منه الرزق، وتيسير الأمور، وأبعد من أصحاب السوء، وفر منهم فرارك من الأسد.. فالحمدلله تاب صاحبنا توبة نصوحة، كانت خيراً وبركة عليه، وعلى أسرته، بل على كل سوداننا الحبيب فلنحذو جميعاً حذوه، تنزل علينا بركات من السماء.