هم الدولة الراشدة- دائماً- هو توفير سبل العيش الكريم لأبنائها، والحكومة الراشدة تعمل على ألا توفر ذلك فقط، بل تزيد عليه بالرفاهية. سبل العيش الكريم تتطلب الاستقرار وتوفير الأمن ثم فرص العمل بحيث تصبح متاحة للجميع كل حسب قدراته وإمكاناته وسعيه، وحسناً فعل السيد والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر بدعوته رجال المال والأعمال وأصحاب الأفكار والخبرات والمختصين أمس لاجتماع يناقش قضية من أخطر القضايا التي تقض مضاجع القائمين بالأمر، وربما أدت إلى تفجير مقاعد الحكم من تحتهم وهي قضية تشغيل عشرين ألف خريج بالولاية. القضية كبيرة والتحدي أعظم لن يقف عند حدود العشرين ألف خريج وخريجة، لأن الجامعات تدفع لنا كل عام بعشرات الآلاف من الخريجين، وقضية التمويل الأصغر الفردي أو التمويل الذي يوفره صندوق تشغيل الخريجين لن يصبح حلاً نهائياً رغم أن الفكرة عظيمة والهدف سامٍ وكبير. ليت السيد الوالي ومعه كل ولاة الولايات اتجهوا إلى تشكيل مجلس استشاري طوعي له هيكله ونظمه ولوائحه وأهدافه، ليكون مختصاً في إنتاج أفكار استثمارية في مشروعات منتجة ذات عائد نقدي يفيد الوطن والمواطن معاً. لسنا ضد التمويل الأصغر للأفراد لكنه لن يكون حلاً لمشكلة إن لم يصبح هو نفسه مشكلة للخريج أو للشخص الممول الذي سيعجز عن سداد الالتزامات المالية المترتبة على تعامله مع البنوك في مجال التمويل. نعم.. لسنا ضد التمويل الأصغر لكننا مع تمويل الجماعات والاتجاه نحو المشروعات التعاونية الضخمة والكبيرة في مجال الحيازات الزراعية للخريجين والعمل في مجالات الإنتاج الحيواني أو مشروعات كبرى في مجالات خدمات السياحة أو النقل أو مشروعات متصلة بإنشاء المدن الإعلامية ومراكز الخدمات المرتبطة بالطباعة أو الاتصالات، ولا نعني المراكز قليلة التكلفة وإنما نقصد تلك المراكز الضخمة التي توفر خدمات الاتصال والربط التلفزيوني عن طريق الأقمار الفضائية وغيرها. الخروج من مأزق توظيف الخريجين يحتاج إلى وقفة في حجم التحدي، وهذا لن يتم إذا ظللنا حبيسين داخل المكاتب، محاصرين باللوائح والنظم المكبلة للعقل، نحتاج إلى خيال وأفق للخروج من هذه المآزق التي تهدد استقرار المجتمع. نحن في حاجة إلى مؤسسات تمويل أصغر مثلما عندنا الآن تقوم بخدمات التجزئة في التعامل مع الأفراد وتقدم خدماتها مباشرة لعملائها من طالبي التمويل مثلما هو حادث في حالة البنوك، لكننا في حاجة ماسة لإنشاء أكثر من صندوق ولائي أو اتحادي لتقديم المنح والتمويلات الضخمة للتعامل مع الشركات الحديثة أو التعاونيات المختلفة، ويقوم هذا الصندوق نفسه بتمويل مؤسسات التمويل الأصغر التي تقدم خدمات التجزئة مثل المنظمات غير الحكومية أو البنوك التجارية، ويسهم في مشروعات تنمية المجتمع من خلال تمويل صناديق الأقراض الدوارة. نحن سيدي الوالي نحتاج إلى جهة تنفيذية فنية تكون غير حكومية تستعين بمنظمات دولية أو شركات استشارية تعمل على بناء القدرات وتطوير الأفكار ووضع البنى الأساسية للمشروعات . وكل عام وبلادنا بخير.. وجمعة مباركة..