متى وكيف وهل بمقدور(كمال) أن يصلح ما أفسده الدهر؟! سلسلة تساؤلات تبادرت الى الذهن وأنا أتابع بشغف مقالة أسرتني شهرة كاتبها كإداري (كارزما)، صال وجال فى ساحات الخدمة المدنية بنسختها الأصلية، وقد ورثها من المستعمر مباشرة، وبقى وفياً لها حتى النخاع أقصد حتى المعاش. فمن هو حتى يتصدى لمعضلة أعيت المداوين وكثر فيها (اللت والعجن) دون جدوى ظاهرة حتى الآن، ليظهر من يعدنا بالحل، ويقول متعجباً (هل هى معجزة)؟، فكيف يكون إصلاحاً ناجعاً، والقائمة تطول كل يوم لاصلاحات مرجوة بالحاح فى مستهل هذا القرن المتغير، وبعد أكثر من نصف قرن من رفع العلم، وأقل من نصف عام من انفصال الجنوب، حتى أن الأمر يبدو مستحيلاً مثلما هو الحال عندما (يتسع الخرق على الراقع)، فلابد من مواجهة مُحكمة وجماعية، وفق أولوية قصوى لمحاصرة جملة ما أفسده دهرنا هذا المفترى عليه دائماً، بينما الحقيقة بيِّنة (نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا).. لزم أن نشكر بداية« آخرلحظة» والأستاذ كمال عبدالله البدوى لمقاله (هل عودة الخدمة المدنية معافاة معجزة؟!) 21 /12 /2011 فقد زاد من أهميته توقيت نشره على شرف عيد الاستقلال المجيد، الموحي بالتجديد وابتكار الحلول وفاء للذكريات.. فالموضوع هو قضية اليوم والأمس والغد بلا منازع.. وجدير بأن يشغل أكثر من(كمال)، كما تبين من تجربة اختيار رجل دولة من طراز الأستاذ كمال عبداللطيف وزير (التنمية والموارد البشرية)، وإن فضل صاحب القرار الآن أن يستثمر جهود الرجل وابتكاراته في الذهب، لمواجهة تواضع البدائل المتاحة لسد العجز فى إيرادات النفط، التي وعدت بنهضة نعلم جميعاً أن شرطها الأول خدمة مدنية معافاة، أي موارد بشرية فاعلة منتجة.. الإدارة الفاعلة هى أنشودة العصر، ويذكرنا بها ماضي السودان الإداري، يوم كان كاتب هذه المقالة فى أوج سطوة الوظيفة العامة، مديراً للقمسيون الطبي لسنوات عديدة، تمددت بين الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.. أنه خبير متمرس يطرح رأيه في وقت فاصل وضمن عنوان اشمل (البدائل الأسرع استجابة لدواعي النهضة).. هل هي الاستثمار في البشر أم الذهب والنفط؟. لماذا لا نقول الثلاثة معاً، تجربة الأستاذ كمال عبداللطيف في وزارة التنمية البشرية- على قصر فترتها- أعلت من شأن الخدمة المدنية، والحديث عن بدائل آمنة للبترول، تحتمل فكرة الاستثمار في البشر تاهيلاً وترشيداً وإنصافاً وتأصيلاً ومواكبة للعصر.. الموارد البشرية هى الهدف الذي ينبغي أن ترمي اليه أية مبادرة لاصلاح الخدمة المدنية. الأمر يبدو معجزة كما يقول خبيرنا الإداري المتمرس المتجرد الذي لم تغره الوظيفة العامة واغراءاتها، لكنه ينطلق من (دعوة دستورية) أطلقها وزير المالية أمام مجلس الوزراء نحو إصلاح الخدمة المدنية ضمن مشروعات إصلاحية متكاملة، حتمت التصدي لها الفجوة المالية الماثلة بجسارة بعد انفصال الجنوب، وتراجع العائد المالي الراتب من البترول. المقال يؤيد دعوة الوزير ويبحث لها عن مردود مجزٍ ليقول:(بدون إصلاح الخدمة المدنية لا تستقيم الأحوال المعيشية للمواطن)، ويعيد للأذهان أحوال الخدمة المدنية على أيام مشروع الجزيرة والسكة الحديد، وغيرها من المؤسسات العملاقة التي سادت ثم بادت.. يتناول العلل من واقع تجربته، حيث كان الداء قد بدأ يتسلل الى جسم الخدمة المدنية وأمام عينيه، ثم يقترح الحلول ويدعو لعقد مؤتمر قومي، ليتدارس الأمر في ضوء ما انتهت اليه المؤتمرات السابقة، وبمشاركة عناصر فاعلة، ليأتي بما لم يستطعه الاوائل فيحقق معجزة، صنفها (معجزة)، فلتكن كذلك، ليتنادى اليها أهل المعجزات من أبناء هذا الوطن الأبي، ولينظر لها وفق أولوية مطلقة، وبأسلحة مواكبة لمستجدات القرن، أنها معجزة قرن بحاله، فبعده السودان يكون أو لا يكون، في عالم متغير مضطرب تنقصه الكيانات المؤسسة مهنياً وعصرياً، وعلى تقوى من الله ورضوان، فلتكن الخدمة العامة كياناً متماسكاً فى وجه الرياح، تستند إليه هوية المجتمع والدولة، وسائر أركان النهضة المنشودة منذ رفع العلم. الإدارة أولاً، هذه لغة العصر في مواجهة(حاجة البلاد الآن)- كما شخصَّها قادة الحركة الوطنية فور رفع العلم، فالأمر يحتم-ما يزال- التنادى للنهضة، وجعلها عنواناً لاستقلال البلاد، ولو بعد نصف قرن من الزمان، فأي إستقلال بلا خدمة مدنية فاعلة معافاة؟ . هل من مجيب يستثمر كل السوانح المواتية ليتسنى حدوث(معجزة)؟ من جانبي رأيت أن أعقب على مقال هو ذخيرة خبرة لرجل خدمة مدنية، شهدت له المواقف والمنجزات والمعارك في موقع كان من أخطر مواقع الاداء العام، تطلب الحسم والشفافية، بل العدل وهو القومسيون الطبي، الذي ارتبط باسمه.. اتمنى لدعوته أذناً صاغية، وأن تدفع الدولة لها بكفاءات مجربة ومتفق على قدرتها على الأداء المتميز، فلعل المؤتمر المقترح يخرج بفضل تميزهم وجمعهم بين الخبرة والكفاءة ومواكبة العصر، بتوصيات قابلة للتنفيذ في مدى زمنى محدد، تنهض بعده البلاد كما فعلت دول كالصين وماليزيا. الكفاءات موجودة بين أهل السودان وأبنائه(الكارزما) بالمؤسسات الناجحة وبدول المهجر وساحات البحوث التطبيقية، يشكلون نواة لخطة عادلة بضمانات للتنفيذ المتقن في الزمن المحدد.. أي خدمة مدنية جديدة تستثمر فرص التكنولوجيا وتأخذ بمحاسن التجربة المأسوف عليها، ويكون همها الفعل الناجز قريباً من المجتمع، بعيداً عن أهواء السياسة ومتقلبات العصر، ليتفرغ الوزراء لما يشغلهم. ندرك أنها خدمة مدنية منهكة ومستباحة تثير القلق واليأس، لكن ذلك لا يمنع توقع حدوث معجزة تمناها مختص انطلقت دعوته للاصلاح مع ذكرى الاستقلال، هدفها معافاة موضع القلب من الوطن(مضغة اذا صلحت)، في إشارة تأصيلية بليغة لجهاز خدمة عامة، يتقي الله في أعز موارد البلاد وهم البشر، العاملون فيه والمواطنون المراد خدمتهم، وقد أكرمهم الله عز وجل، فلنبدأ بالممكن، هياكل رشيقة لا تحتمل الوساطة والترهل، وقيادة إدارية ملهمة تتقي الله في حقوق العاملين وتشركهم، أم هذه تحتاج لمعجزة أيضاً؟!.