ماهي الفكرة وراء إنشاء هاتين الوزارتين تحديداً؟.. أقول يبدو أن مهندسي هذا التشكيل الوزاري الضخم و بخلاف هذا «الكم»، كانت أعينهم ترمي بعيداً بحثاً فى مصادر «النوع» بخلاف «الجندر» يتجاوز ما عهدنا فى من هم وراء التغييرات السياسية، فقلوبهم غالباً على موازنات تطفىء الحرائق وتُبقي على المواعين سالمة والمواقف آمنة لا تطيح بها ردود الأفعال. لقد أُنشئت وزارة للاتصال وتقنية المعلومات و وزارة للموارد البشرية. والدولة التى تفكر فى المعلومات وفى القوى البشرية فى منظومة واحدة وزمن فاصل، إنما تنظر للمستقبل من زاوية ما يشغل خبراء التخطيط الإستراتيجى فى عالم اليوم.. كذلك طريقة اختيار الوزيرين ، من نعرفه بنهجه كوزير دولة متمرس ورجل دولة بكامل المقاييس ومن عرفناه وهو يقدم نفسه لأول مرة من خلال هذه الصحيفة، معترفاً بأن الأمر لم يكن ليخطر على باله كأنه يذكرنا أن أصول الاختيار لتحمُّل الأمانة مازالت باقية والحمد لله«لا نعطيها لمن يطلبها». تبقى أن نعرف منهج هذه الوزارة الجديدة وإمكانية إحداث تحول حقيقي فى أساليب العمل والزمن والتحسين والطفرة المنتظر حدوثها بإدخال تكنولوجيا المعلومات فى كل مناحي الحياة.. وبالنسبة لوزارة الموارد البشرية فقد بادر وزيرها الأستاذ كمال عبد اللطيف بدعوة الإعلاميين والصحافيين لطرح برامجها وتدور حول الاهتمام بالخدمة المدنية تأهيلاً وتدريباً، وتحقيق أهداف التنمية والتخطيط الاستراتيجى الشامل ، ووضع السياسات والخطط والقوانين وتزكية السلوك المهني، وحماية المهنة ومزاولتها على الوجه الأمثل بما يؤدي لرفع الكفاءة مع تطوير الآليات واعتماد الأساليب العلمية، أو هذا ما ورد عن اللقاء . هذه خطوة مهمة للتعريف بخريطة الطريق التى تستهل الوزارة بها عملها، وإنى أراها بمثابة وزارة الوزارات لكونها مختصة بتأهيل العناصر البشرية فى كل البلاد، لتنهض هي وغيرها متضامنة وبانسجام لإحداث التغيير المنشود فى أساليب الأداء، مستفيدةً من هبات ثورة التكنولوجيا وتكريسها لصالح الأهداف الاستراتيجية التى تتصدرها مهام مصيرية تتعلق بالسلام وبتأمين وحدة البلاد واستكمال النهضة. والبداية لذلك كله هى تغيير المفاهيم، قبل اللوائح. أهم هذه المفاهيم ما يتصل بالموارد البشرية كعنصر حاسم فى كل ما حولنا بلغة العصر وحاجة البلاد الآن . إن النظرة اليها اختلفت عالميا فهى ثروة وطاقة واستثمار وشراكة وانتساب لمنظومة متكاملة تشكل الدولة الحديثة. إنها تأتى أولاً لدى الطامحين فى الجودة والتحسين وإرضاء الجمهور، والفوز بشهادة «الايزو» والامتياز حلم كل مؤسسة ناجحة فى عالم اليوم . وهى عماد التخطيط الإستراتيجى الذى يواجه التحديات ويقتنص الفرص للتأهل لسباق العولمة الذى أساسه التنافس، وهى كلمة السر وراء امتلاك وتوطين وتوظيف التكنولوجيا فلاجدوى من تكنولوجيا ليس وراءها مدربون موهوبون . ثم ان الموارد البشرية فى بلادنا خاصة هى عماد دولة العاملين وحدة أرضها وصون هويتها وضمان إنجاز مشروعها الأساسى واستكمال النهضة جوهر برنامج هذه الحكومة.. وحيوية عنصر الموارد البشرية هو موضوع أحدث الدراسات اليوم فى مجال الاتصال والإدارة الفعالة والحكم الراشد، وقبل ذلك لهزيمة الفساد ومواجهة الفقر وتعميم ثقافة التحسين المستمر والإحسان وإشاعة القيم واتقاء الخالق فى خلقه.هذا السياق يوحي بفكرة تدعو لورشة عمل مختارة تفضي لمنهج مواكب وصارم، توفر له الوزارة الوليدة خير ما امتلكت الدولة من رصيد فكري وإستراتيجي ويستوعب توصيات مؤتمرات الإصلاح الإدارى القابعة في الأضابير بعناية، منذ عصر أول وزير للإصلاح الإدارى وإلى آخر مؤتمرات الخدمة العامة.. وقد سهر على هذه التوصيات خيرة المهنيين وعلماء الإدارة بالأكاديميات والجامعات لإنقاذ الدولة مما أعاقها بعد أن كانت مضرب مثل. مثل هذه الورشة «الكتيبة الإستراتيجية» ستفاجأ بهذه التوصيات، وتحتار لماذا بقيت حبراً على ورق وستهتدي فى ضوئها لعلة مناهجنا فى التدريب وقد تجد إيجابيات هنا وهناك فتحيط بها ثم تحدد التدريب لمن ؟ وما هي دوافعه ، هل لمجرد إبعاد شخص غير مرغوب فيه أم هي المحاباة وترشيح من لا يستحق أولا يحتاج أو لا تنطبق عليه الشروط، فيتعرض للحرج هو وبلاده حين يسألونه- حيث سافر- «هل ترى بينك وبين نفسك أنك الشخص المناسب لهذه الدورة ؟».. وكيف يتسنى الاستفادة من مثل هؤلاء لتدريب غيرهم ؟ وهناك عدم الإقبال على التدريب الداخلي وعلة التخوف من تدريب النواب ومعاكسة سنة تواصل الأجيال وحتمية الإحلال الوظيفى. هذه الحالات وأرجو أن تكون محدودة بالإمكان معالجتها لتحسين«صورة التدريب»، وهناك حالات أكثرحرجاً كتخلف المبعوث عن الوفاء للجهة التى ابتعثته بل للبلاد التى تكفلت بالنفقات .الترتيبات الأولية للوزارة الوليدة ستنظر حتماً فى إيجابيات تجارب البلاد فى مجال التدريب وستجد نموذج «بخت الرضا» الفريد والأكاديمية العسكرية العليا التى أُريد بها إعداد القيادات للمناصب الدستورية، حتى لايأتي التعيين بمن هو خالي الوفاض عن البروتوكولات ومطلوبات رجل الدولة فى بلاد بحجم قارة، أو ولاية بمساحة قطر، وهناك أكاديميات لتدريب الوزراء عند غيرنا. إن التدريب هو الأصل فى مشروع الحكم الراشد، فإذا صلح البشر صلحت سائر الموارد، فهو يرشدها وينميها. لذا وجب السعي على أعجل ما يكون لتحسين صورة التدريب المتوارثة وتوفيرمستحقاته وأولها الميزانية، وقبل ذلك المفهوم والمزايا والحوافز والأولوية، ينبغى أن ننظر بإعجاب نحو من تم اختياره بعناية ليتدرب ويسطع نجمه ويضيف ، فالجودة والتحسين المستمر هما رهان البقاء على قيد الهوية والتميز والتحرر فى عالم اليوم، ليتسنى بعد ذلك أن تكون لنا رسالة.