عرفني بنفسه وقال إن اسمه كبير، ودخله كبير، وبيته كبير، وهو شخصية مرموقة، وقال النجاح حليفي، ولكن البخل يلاحقني، وسمعته تسبقني أينما مشيت منذ الصغر، كنت أصغر أخواني، وكانوا يأخذون دائماً حلوتي والعابي بالقوة، مما أورثني البخل والدس وحب النفس، فصرت بخيلاً جداً، لا آكل إلا وحدي، وقد قلبت حياة أسرتي إلى جحيم، لا رفاهيات ولا كماليات، بل هم أقل من مستوى معيشة أقرانهم، وزوجتي عاشت هذا الجحيم مكرهة، لأنها فترت وهي تنصح وتتكلم، وتمدح أزواج أخواتها أمامي كثيراً، وتشير الى كرمهم، ولكن كنت أقول لها دائماً إن هذا تبذير، وإن المبذرين كانوا أخوان الشياطين، استمتع بجمع المال، وأراقب زيادته بنهم، ورغم ان أصحابي يعلقون عليّ بسخرية بأن (من يأكل براهو يخنق) المثل السوداني. حتى الفرَّاش يتكلم مع الفرَّاش الآخر وهو يعنيني (بكره تفوت تخلي)- يقصد المال- ولكن رغم كل هذا لا حياة لمن تنادي.. لكن في ذات مرة كنت أحمل كيس العيش، وهو على قدرعددنا، استوقفني مسكين وطلب مني شيئاً لله، ترددت كثيراً ثم أعطيته رغيفة، فإذا به يلتهمها كأنه جائع من سنين، تعجبت لحالته وصارت نموذجاً، كلما أجد رجلاً مسناً وضعيفاً أعطيه قليلاً من المال، وأقول هذا يستحق، ثم كثُر المستحقون في نظري، وبدأت أعطي وأعطي.. هذا العطاء القليل قلب حياتي كلها وصار بخلي واضحاً بالنسبة لي، وصرت أحس بالندم والعذاب، قل يا شيخي ما المخرج من هذا البخل المزمن.. قلت ألا تعلم إن البخل تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أسوأ طباع الإنسان، ولا يقدر الشخص أن يخفيه أبداً.. دعني أصلي صلاة الاستخارة، وإن شاء الله أجد مخرجاً يريح ضميرك.. بعد ذلك تذكرت دعاءً علموني له آبائي وأجدادي: أن تقول (يا باسط أبسط بي وأبسطني إن كنت غنياً وإن كنت فقيراً.. تقول: يا باسط أبسطني وأبسط بي).. ثم أمرته بالتردد على كرماء أهل السودان الذين شاع كرمهم حتى عم الآفاق، على سبيل المثال الخليفة الحبر خليفة الكباشي، الذي كان جاهداً أن يحذو حذو والده في الكرم، ومن شابه أباه فما ظلم.. وكذلك مشايخ العركيين، وأهل المهيوبة من ساداتنا الطيبية، وخليفة ود بدر شيخنا الطيب الجد، وخليفة البرعي، وأولاده المكاشفي، وسادة المراغنة والتجانية، وقد عددت له عدداً كبيراً من الكرماء لا يسمح المجال بذكرهم جميعاً.. وأتبع صاحبنا البخيل طريقاً خططته له، وتقبل ربي دعائي ودعاءه، وتبدل الحال، وصار صاحبنا كريماً كرماً لا يضاهى، حتى بدأت زوجته تقول الزول دروش. قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) سورة الطلاق الآية (2).