كنت في زيارة بلد إسلامي وفي ضيافة رجل من أعيانها وقد دعاني صديق له وهو مفكر إسلامي وداعية كبير لحفل عشاء إكراماً لي وكان على طريقة احتفال الشيوخ أعني الاستقبال بالتهليل وقراءة المولد البرزنجي والذكر والعشاء وكان الكرم أقرب ما يكون لكرمنا السوداني الذي نتباهى به دوماً رغم ذات الضيق فالكرم هو طبيعة للشعب السوداني لا تغيرها الظروف وعشمنا إن الكريم لا يضام. بعد ذلك أخذني صديقي والمفكر الإسلامي جانباً ليحكي لي ما هو فيه من ورطة. خلاصتها أنه تمت وشاية كبيرة عنه للملك للفتنة والأضرار به الأمر الذي أغضب الملك عليه غضباً شديداً وكان كما قال شيخنا البرعي رحمه الله «جنب عبدك يا حكيم باب الحاكم والحكيم». ولكن لا بأس كما يقول أهلنا إن تدخل على الحاكم ويكون وحده وهو في حال رضاء تام عنك وفي سرور شديد وترحيب سعيد بك ليعطيك عطاءً جزيلاً لا يحسدك عليه أحد ولا ينظر إليك أعوانه شرراً. المهم كان أخونا الداعية في ورطة لا يعلم مداها إلا الله وإذا غضب عليك ملك تضيق عليك الأرض بما رحبت ولا يهنأ لك عيش ولا راحة بال. طلبت أن أصلي ركعتين للاستخارة فإنه ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، ثم لثقتي المطلقة بصدق الآية التي عاهدت الله عليها أمرته هو ومن معه أن يداوموا على سورة من سور القرآن الكريم وذكر الجماعة دائماً أفضل من ذكر الفرد كصلاة الجماعة ويد الله مع الجماعة ويستمروا على ذلك إلى أن يأتي الفرج والمخرج من الله عز وجل. شكرني المفكر الإسلامي على جهدي في حل تلك المشكلة وقال لي إنّه يكن حباً جماً لأهل السودان ويتابع بتمعن وإجلال أخبار شيوخ السودان الأحياء وأصحاب عصره وذكر لي منهم عددًا كبيراً لا مجال لذكره الآن. ولكن وللحديث مناسبة قد توقف عن ذكر شيخنا البلال رحمه الله وقال إنه لم يلتق به وإنه كان يعلم أنه رجل خضري يجالس سيدنا الخضر عليه السلام، ويعلم عنه كثيراً من الأحوال، لم اسأله تأدباً عن كيف علمت ذلك كما هو حال الصوفية لكن علمت منه أنه كان كثيراً ما يرى الرسول صلى الله عليه وسلم ويخبره بأخبار القوم كما أخبره بخصوص الفرج والمخرج على يد رجل قادم من دولة معينة ويقوم بزيارته في منزله برفقة صديقه العزيز وكان يظن أني ذلك الرجل. ولكن بفضل الله ورحمته التي وسعت كل شيء ما هي إلا أيام قليلة وقد تحول السخط إلى حب والجفاء إلى شوق ومحبة والغضب إلى سرور وإكرام فكان العطاء الجزيل وإن الملوك تغدق بإسراف إذا أعطت. وقد رسخت تلك الورطة وذلك المخرج محبة وخوة صادقة في الله افتخر بها على مر الأيام بيني وبين ذاك المفكر لم تدنسها دنيا نسأل الله أن يرحمنا جميعاً ويديم علينا نعمه وأن يجمعنا في معية الصالحين في الدنيا والآخرة. الحمد لله والشكر على ذلك المخرج (ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً) الطلاق «2».