قبل حوالي أكثر من عام كتبت مقالاً عن الرجل النبيل الأستاذ فاروق الجوهري، الخبير الإعلامي الشقيق والصديق الذي أحب السودان مثلما أحب مصر فآثر أن يقيم معنا وبيننا أخاً شقيقاً وصديقاً، وقد أحب السودان كما لم يحبه أحد غيره من أشقائنا المصريين من قبل، عاش بيننا و (هضم) ثقافتنا وأستوعب تنوعها ومكوناتها المختلفة.. وقد كرمته الإذاعة السودانية يوم أمس في حفل راقٍ بهيج، شرفه أستاذ أساتذة الإعلام البروفيسور علي شمو وتقدمه الأستاذ الإعلامي الكبير محمد سليمان وشارك فيه رموز الإذاعة بدءاً من مديرها العام الأستاذ معتصم فضل مروراً بكل القيادات الممثلة في الأساتذة عبد العظيم عوض وشاذلي عبد القادر وصلاح الدين التوم والطيب قسم السيد وغيرهم إضافة إلى الوجود المصري الرسمي ممثلاً في سعادة قنصل مصر العام بالسودان السيد معتز مصطفى كامل وسعادة المستشار الإعلامي محمد علي القريب وشيخ الصحافة الفنية الأستاذ ميرغني البكري. في يوم تكريم هذا الرجل المحب للسودان ومصر ولوادي النيل لا أجد إلا أن أعيد نشر ذلك المقال القديم المتجدد بالحب والمترع بالعرفان: يا لذلك الرجل النبيل خبير إعلامي وإذاعي متميّز، صاحب ثقافة عريضة وعقل منفتح.. محب للسودان وعارف بفنونه وتراثه وثقافته كأنما هو من أبناء أم درمان التي جمعت فأوعت وأوضحت مستودعاً للشخصية السودانية التي جاءت نتاج التصاهر والتزاوج ما بين كل الناس والقبائل في السودان. وهو محب بل مؤمن بوحدة وادي النيل، يعرفه كل إعلامي وإذاعي وصحفي حقيقي في السودان سواء زار مصر أو لم يزرها.. وأقصد الأستاذ الكبير فاروق الجوهري. بالأمس سعدتُ أن قيّض الله لي أن ألتقي به داخل شقته الصغيرة في أحد أحياء الخرطوم الجنوبية وقصدت أن أسجل له زيارة أعوده فيها بعد وعكة ألمت به نتيجة عضة حشرة سامة في قدمه ألزمته الفراش عدة أشهر، لكنه أخذ يتعافى الآن بحمد الله.. وكان قد اتصل بي قبل فترة معزياً في وفاة السيد الوالد الأستاذ محمود أبو العزائم - رحمه الله رحمة واسعة - وكان يبكي ولا تخرج الكلمات من فمه إلا بصعوبة بالغة، واعتذر لي عن الحضور بسبب المرض.. وقد وجدت أن من حقه عليّ أن أزوره وأن أعزيه هو نفسه في وفاة السيد الوالد - رحمه الله- وقد كانت تربطه به علاقات قوية امتدت لعشرات السنين منذ عمل الأستاذ فاروق الجوهري في الإذاعة المصرية ثم إذاعة ركن السودان بالقاهرة التي تحولت لاحقاً إلى إذاعة وادي النيل، وقد تعرفت عليه أول ما تعرفت في العام 1982م تحديداً في أبريل وكنت في بعثة تدريبية من صحيفة (الأيام) التي كنت أعمل بها في ذلك الوقت إلى دار (روز اليوسف) المصرية . وقد تعرفت على الأستاذ الجوهري عن طريق الإذاعي الضخم والهرم الإعلامي الكبير الراحل الأستاذ فؤاد عمر - رحمه الله- الذي تعرفت عن طريقه على قادة العمل الإعلامي الإذاعي في مصر بدءاً من النجمة نجوى إبراهيم ومروراً بالكبار من أمثال الأساتذة عبد الرحمن الأبنودي ومأمون النجار ويوسف بدير وثريا جودت وغيرهم وقد كان من بين أولئك الكبار أستاذنا فاروق الجوهري الذي فتح لي أبواب العمل في إذاعة (ركن السودان) حيث أعددت وقدمت برامج قصيرة ذات عائد وفير أعانني وأسرتي في تحمل أعباء وتكاليف الحياة.. وظللت منذ ذلك الوقت أحفظ له هذا الجميل. بالأمس لم أستطع أن أعبّر عما جاش في نفسي وأنا أستمع للأستاذ فاروق الجوهري الذي عاش بيننا سنين عدداً خبيراً إعلامياً وأستاذاً بجامعة أم درمان الإسلامية، وطُبِّق عليه أخيراً ما طبِّق علي زملائه من أساتذة الجامعة السودانيين أي الإحالة للتقاعد لبلوغ السن القانونية، لكنه قرر البقاء في السودان رغم ما يعانيه من الابتعاد عن الأسرة وإبنتيه إذ يعيش أفراد أسرته في القاهرة.. لقد قال لي أستاذنا الجوهري بلهجته المصرية المحببة وصوته القوي الجهور :(اسمع يا مصطفى إنت عارف إني بحب السودان أد إيه.. وأنا عايز أقولك حاجة إني أنا عايز أموت وأندفن في السودان). تمنيت له طول العمر.. وتمنيت ألا نخذل من أحبنا بصدق وأرجو أن نعمل على أن يبقى معنا.