كل التحليلات والتعليقات السياسية التي واكبت استفتاء جنوب السودان ثم إعلان الانفصال، توقعت نهاية لكل المشاكل التي أعاقت انطلاقة بلد بإمكانات وثروات هائلة مثل السودان، وأن يكون بداية السير في طريق مجتمع الرفاهية الذي يجد فيه المواطنون كل احتياجاتهم التعليمية والغذائية والعلاجية بيسر وسهولة قياساً إلى ما يتوفر من إمكانات وثروات هائلة في بلد تجري فيه عشرات الأنهار الدائمة والموسمية، وتختزن أرضه البترول وأنفس المعادن، بل أصبحت مواقع تعدين الذهب فيه أكثر عدداً من مواضع آبار البترول وكلها تنتج بجهود بدائية قليلاً من الذهب عالي النقاء، إضافة إلى المناجم التي تنتج الأطنان من عدة سنوات وفق الأساليب الحديثة. لقد كانت قضية الجنوب أماً لكل المشاكل في السودان ابتداء من إزهاق أرواح آلاف الشباب والنساء والأطفال واستنزاف الأموال والجهود في اتجاه الحرب واستقطابها للتدخل الأجنبي والحصار الاقتصادي والضغط على الدول المجاورة لدفعها للمشاركة في الحصار، ولم يقف تأثيرها السالب عند هذا، بل تعداه إلى تفريخها لحركات تمرد أخرى استغلت علاقات حركة تمرد قرنق بالقوى الأجنبية لتفتح جبهات أخرى خدمة لإستراتيجيات تلك الدول في أفريقيا. في خطابه الأخير أعلن الرئيس أن العام الجديد الذي بدأت انطلاقته قبل أيام، سيكون عام الزراعة والتعليم والأمن، وأنه سيكون عام السير في درب مجتمع الرفاه بعد أن تحررنا من الصراعات التي استنزفت قوانا، فكيف يكون هذا العام عام الانطلاقة. يرى مراقبون سياسيون ومتخصصون أكاديميون أن التوقف الكامل لكل المعارك والمناوشات مع الجنوب يعني تحول الجهود والانفاق باتجاه خدمة المواطن الذي اقتطع من قوته ليمول صفقات السلاح، وصبر على استنزاف العملات الصعبة في شراء الأسلحة والعمليات العسكرية، وتساءل المراقبون عن كيفية التحرر من مشكلة جنوب السودان ورئيسه سلفاكير ابن المخابرات الإسرائيلية والأمريكية يعلن جهاراً نهاراً أنه لن يتركنا وشأننا، كما أنه أعلن في حفل إعلان دولته الوليدة عن استمراره في مساندة حركات التمرد في النيل الأزرق وجنوب كردفان، ويؤكد سلفا بزيارته لواشنطن وإسرائيل أنه في خدمة الأجندة الصهيو أمريكية وتوجيه نداءاته لهذه الدول لاحتلال بلده تحت أي مسمى، أو كما يطلق دائماً (التعاون الإستراتيجي)، وتحويل الجنوب إلى قاعدة مركزية للجيش الأمريكي يستخدمه لضرب أي دولة متمردة عليها، ومنظمة الاتحاد الأفريقي تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها، أو في الحقيقة دولها خائفة من إغضاب أمريكا وقبل أيام زار سلفاكير إسرائيل وقدم دعوة لها صريحة لاستخدام الجنوب في تنفيذ إستراتيجياتهم ضد السودان ومصر. دولة وليدة مثل جنوب السودان تعتمد في غذائها على السودان الشمالي ويوغندا وكينيا وإغاثات المنظمات الأجنبية، لابد لها من تقديم إغراءات لحركات التمرد وعرض خدماتها على دول المخطط العالمي الجديد ولا حل إلا بإنهاء القضايا العالقة مع الجنوب حتى تتجه وتحول كل الجهود والانفاق ناحية المواطن حتى تتحقق الرفاهية، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بالتحرك في أحد الاتجاهين، إقناع حكومة سلفا بأن الحرب والخراب لا تناسب الدولة الوليدة أو تقوية الروح الجهادية والدفاع الشعبي لتأمين الحدود والتصدي، وليعلم سلفاكير أن الحرب لن تكون نزهة وقتها وإن كان الوصول إلى الرفاهية، فإن اقتصاد السودان ارتبط بوقف الحرب مع الجنوب، وإن كانت المعادلة صعبة لكن يمكن حلها.