مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بعد اتفاق الاتحاد والهلال.. نجوم الهلال سيغيبون عن معسكر عمان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تشعل مواقع التواصل بلقطة مثيرة مع المطربين "القلع" و"فرفور" وساخرون: (منبرشين فيها الكبار والصغار)    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقية السلام الشامل (CPA) : دورها في فصل جنوب السودان وإعادة إنتاج الحرب بين الشمال والجنوب

الكل استبشر خيراً حينما تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان, والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة, التى أصبحت تستولي على مقاليد الحكم في دولة جنوب السودان الوليدة, بعد أن قادت توجهات النخبة فيها إلى انفصال جنوب السودان عن وطنه الأم جمهورية السودان في التاسع من يوليو من العام 2011م, الحكومة السودانية والشعب السودانى في الشمال والجنوب رقصوا فرحاً يوم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل (CPA) في ضاحية نيفاشا الكينية في التاسع من يوليو من العام 2005 م, ولكن فرحهم لم يدم طويلاً, نتيجة للمهاترات بين طرفي الاتفاقية خلال الفترة الانتقالية, وتصاعد حدة العنف في الخطاب السياسى بين طرفي الاتفاقية وخاصة من جانب الحركة الشعبية, الذي قاد في النهاية لانفصال جنوب السودان عبر استفتاء نجحت فيه النخبة الحاكمة من الحركة الشعبية في جنوب السودان وقوى إقليمية ودولية في توجيهه لصالح توجهاتها الرامية لفصل السودان لقطرين شمالي وجنوبي.
وبالرغم من اعتراف الدولة الأم جمهورية السودان بحق تقرير المصير وتكوين الدولة الوليدة في جنوب السودان دون وضع عراقيل حول الإعتراف بدولة جنوب السودان الوليدة, إلا أن هذا لم يمنع من اندلاع مناوشات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة بعد الانفصال نتيجة لوجود العديد من الملفات العالقة بين البلدين والتي لم يتم حسمها قبل الموافقة على انفصال دولة جنوب السودان, لقد أعاد تاريخ الإحتلال الأوربي لأفريقيا نفسه في نيفاشا, فعندما إنسحب الإحتلال الأوربي من أفريقيا جعل من مشاكل الحدود بين الدول الأفريقية أحد أدوات تدخله في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية, ولضمان عدم إستقرار أفريقيا, وبالتالي العودة للتدخل فيها لنهب ثرواتها من جديد, وتدخل الولايات المتحدة في اتفاقية السلام الشامل أسس أيضاً لسلام منقوص يضمن لها عدم استقرار المنطقة, وتحقيق أجندتها, لم نقرأ التاريخ جيداً, ولو كنا استوعبنا الدروس من المشاكل التى خلفها لنا المحتل الأوربي في القارة الأفريقية بعد استقلال الدول الأفريقية, لما كنا قبلنا بهذا السلام المفروض من الخارج, ولبحثنا عن سلام ضماناته أفريقية, وبرؤى أفريقية, فأفريقيا أدرى بمصالح شعوبها من الذين يأتون لحلحلة مشاكلها من وراء البحار.
العوامل التي ساهمت في نشأة الدولة الوليدة في جنوب السودان:
العوامل الدولية:
لقد لعبت التحولات في النظام العالمي دوراً كبيراً في التأثير بمجريات الأحداث في كل أقاليم العالم التي ترتبط إرتباطاً قوياً بمصالح القوى التي تسيطر على هذا النظام العالمى الجديد, فبعد انتهاء فترة الثنائية القطبية بإنهيار الاتحاد السوفيتي السابق كقوى عظمى في بداية تسعينيات القرن الماضي, سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجريات الأحداث العالمية, وأصبحت القوة الوحيدة التي تسيطر على العالم, حيث أطلق علماء السياسة والإستراتيجية على عصر إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم, بعصر الأحادية القطبية, وفي هذا العصر بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بضبط إيقاع التفاعلات العالمية بالتعاون مع دول أخرى كبرى من أجل تحقيق مصالحها الحيوية في كل أنحاء العالم, وبما أن إقليم منطقة القرن الأفريقي يرتبط ارتباطاً عضوياً بمصالح النظام العالمي الجديد, صكت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة القائدة للنظام العالمي الجديد مفهوم القرن الإفريقي الكبير ليعبر عن مصالحها في المنطقة, والذي يستهدف صياغة منطقة القرن الأفريقي من جديد لتحقيق مصالحها فيه.
نتيجة لأهمية منطقة القرن الإفريقي الإستراتيجية, من حيث الموقع المتحكم في طرق المواصلات العالمية والقريب من مناطق إنتاج النفط في الخليج العربي, والثروات الهائلة من النفط والمعادن الإستراتيجية في باطن أراضيه وسواحله, تأثرت هذه المنطقة بكل التحولات العالمية بدءاً من الإحتلال الأوربي لأراضيه, وفترة الحربين العالميتين الأولى والثانية, وفترة الحرب الباردة , وحتى هذه الفترة التي تهيمن فيها الولايات المتحدة الأمريكية على مجريات الأمور العالمية, مما أدى إلى عدم إستقرار المنطقة نتيجة لتفشي الصراعات الأهلية في دول المنطقة والصراعات الحدودية بين دولها, نتيجة للمحاولات المستمرة من قبل القوى العالمية لتغيير الخارطة الجيوسياسية في الإقليم لخدمة مصالحها, وبالتالي عززت الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة من وجودها العسكري في منطقة القرن الأفريقى لارتباط مصالحها به, عبر إنشاء قوة المهام المشتركة في منطقة القرن الأفريقي (CJTF-HOA), بهدف مكافحة ما يسمى بالإرهاب في منطقة القرن الأفريقي على حسب زعم الولايات المتحدة الأمريكية, بينما أن الهدف الرئيسى يبدو من خلال أفعال الولايات المتحدة في المنطقة هو السيطرة على مقدرات الإقليم الطبيعية والبشرية, والتي يشكل النفط العامل المهم فيها.
عليه لم يكن اندفاع الولايات المتحدة الأمريكية للتوسط لحل النزاع القائم في السودان عبر آلية الإيقاد سوى إنهاء هذا الصراع بصورة سلمية تمكن الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة من السيطرة على كامل الجنوب السوداني, نتيجة لفشل الحركة الشعبية من حسم الصراع بوسيلة العنف المسلح, بالرغم من الدعم الإقليمي والدولي الذي توفر إليها لحسم المعركة بواسطة العنف المسلح, وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من إسراعها في حسم الصراع عبر الحل السلمي, لفصل جنوب السودان ليكون دولة فاصلة للمصالح الأمريكية في المنطقة, وبغرض الإستحواذ على بترول الجنوب الذى يصل إنتاجه من النفط يومياً إلى حوالى 350 ألف برميل, وحرمان الصين والسودان من الانتفاع من هذا البترول, الذى تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها استكشفته, ولكن ابتعادها عن المنطقة في فترة الحرب الباردة, سمح لكونسرتيم الشركات الصينية والسودانية والكندية من إستخراجه عام 1998 م, وبالتالي شكل البترول أحد العوامل التي أدت لظهور دولة جنوب السودان الوليدة نتيجة لتكالب الولايات المتحدة للسيطرة على أكبر حوض نفط في العالم, والذي يمتد من ولاية الوحدة مروراً بهجليج وأبيي ودارفور وبحيرة شاد وحقل حوض تاوديني في شمال مالي وصولاً إلى مستودع خام النفط في خليج غينيا, بينما شكل مناوئة النظام السوداني للنظام العالمي الجديد عاملاً آخر في انبثاق وتكوين دولة الجنوب, لحرمان السودان من نفط الجنوب وأراضيه الخصبة التي يمكن أن تسهم في زيادة الثراء الاقتصادي لجمهورية السودان, بينما شكل تبني السودان للهوية الإسلامية العربية عاملاً أساسياً في فصل جنوب السودان عنه, نتيجة لتعارض الهوية الإسلامية العربية مع مصالح النظام العالمي ومشروعه الحضاري الذي يهدف إلى تعميمه في كل دول العالم (مشروع العولمة).
العوامل الإقليمية:
بالإضافة للعوامل الدولية التي ساهمت في نشأة دولة جنوب السودان, نجد أن هنالك عوامل إقليمية أسهمت أيضاً في نشأة دولة جنوب السودان الوليدة, أهمها التدخلات الإسرائيلية في المنطقة في إطار الصراع العربي الإسرائيلي, حيث ساهم التدخل الإسرائيلي لصالح الحركة الشعبية عبر بناء علاقات إستراتيجية مع نخبة قبيلة الدينكا الأكبر عدد في جنوب السودان, في تأجيج نيران الحرب الأهلية في السودان, وجاء هذا التدخل الإسرائيلي الداعم للحركة الشعبية عسكرياً وأمنياً في إطار سياسة شد الأطراف وبترها التي تمارسها إسرائيل لزعزة إستقرار العالم العربي والإسلامي المساند للقضية الفلسطينية, والذي يفرض طوقاً من العزلة على إسرائيل, وبالتالي كان التدخل الإسرائيلي في الصراع القائم في السودان بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة يهدف إلى فصل جنوب السودان عن وطنه الأم جمهورية السودان, نتيجة لموقف السودان المبدئي من القضية الفلسطينية, ونتيجة لأن السودان يشكل الحزام الأمني الجنوبي لمصر, التي خاضت حروباً ضارية في عام 1967 م وعامل 1973 م مع دولة الكيان الصهيونى (إسرائيل) التي تحتل الأراضي الفلسطينية, ونتيجة لمساندة السودان لمصر اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً عبر توفير قواعد في عمقه للقوات الجوية المصرية, بالإضافة لإرساله لأغلب قواته لجبهة القتال في قناة السويس في حرب أكتوبر 1973م, استشعرت إسرائيل أهمية السودان الإستراتيجية في قضية الصراع العربى الإسرائيلى, وبالتالي قامت بتعميق أواصر علاقاتها مع قيادات عرقية الدينكا, ومدتهم بخبراتها العسكرية ودعمتهم بالأسلحة, ودربت قياداتهم في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية, حتى تم انفصال جنوب السودان عن وطنه الأم في التاسع من يوليو من العام 2011 م, وبعد انفصال جنوب السودان قامت بدفع جنوب السودان بزيادة وتيرة أعماله العدائية ضد جمهورية السودان عبر دفع جنوب السودان للفرقتين التاسعة والعاشرة في جبال النوبة والنيل الأزرق, وحركات دارفور المسلحة التي تقيم حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد علاقات وطيدة معها, للتأثير في إستقرار جمهورية السودان, وبالتالي إشغالها بالنزاع الإثنى والحدودى الجديد المفتعل, ومن ثم عزل السودان من التفاعل مع القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية والإسلامية, وقضايا التعاون بينه وبين دول محيطه الإقليمي, والجدير بالذكر هنا أنه قبل هجوم جيش دولة جنوب السودان وإحتلاله لمنطقة هجليج البترولية السودانية في العاشر من أبريل من العام 2012م الجاري, كشفت مصادر موثوق بها عن نزول طائرات إسرائيلية محملة بصواريخ أرض جو, وأرض أرض, وأسلحة نوعية أخرى, وخبراء من يهود إسرائيل الفلاشا بمطار ربكونا في جنوب السودان, بينما يشهد ميناء ممبسا (SECTION G) قبل الهجوم على هجليج وحتى هذه الآونة حركة تخليص مكثفة لشاحنات عسكرية ومدرعات وأسلحة من قبل مندوبي جيش جنوب السودان في كينيا ممولة من قبل إسرائيل, مما يدل على تورط إسرائيل في دعم دولة جنوب السودان لزعزعة إستقرار جمهورية السودان, وزيارة سلفاكير في أواخر العام 2011م لدولة الكيان الصهيونى (إسرائيل), تؤكد دور العلاقات الإسرائيلية بنخبة الحركة الشعبية المسيطرة على زمام الحكم في دولة جنوب السودان الوليدة.
كما يشكل اهتمام إسرائيل بمياه النيل, ومحاولة فرض سيطرتها على الأراضي حول منابع حوض النيل الإستوائية والشرقية, وإقامة علاقات إستراتيجية مع دول منابع حوض نهر النيل, للتأثير على أهم محاور الأمن القومي المصري (المياه), وبالتالي شكل انفصال جنوب السودان أحد الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية التي تخدم إسرائيل في قضية الصراع العربي الإسرائيلي والمتمثلة في الضغط على مصر عبر انبثاق دولة جنوب السودان الوليدة, حيث أن إضافة دولة جديدة لدول حوض نهر النيل, يمثل أحد العوامل التى تشكل خطراً على الأمن المائي المصري, وبالتالي يصبح انفصال جنوب السودان عن شماله, يعبر عن تحقيق المصالح الإسرائيلية المتمثلة في تهديد الأمن القومي المصري الذي تشكل مياه النيل أهم مرتكزاته, ومن ثم تهديد الأمن القومي العربي عبر محاولة استمرار تفتيت السودان الذي يمثل أحد أهم الدفاعات الجنوبية للهوية العربية والإسلامية.
العوامل الداخلية:
لقد تعرضنا في سردنا للعوامل الدولية والإقليمية لنشأة دولة جنوب السودان الوليدة, ولكن يبدو من قراءة الأوضاع الداخلية في السودان منذ الاستقلال وحتى توقيع اتفاقية السلام الشامل (CPA) في التاسع من يوليو من العام 2005 م, أن النخبة السياسية السودانية التى أدارت البلاد عقب إستقلال السودان, فشلت في التعامل مع أزمة الجنوب, مما مهد لقيام التمرد الأول في عام 1955 م قبل إعلان الإستقلال رسمياً في الأول من يناير 1956م, واستمرار التمرد في فترة حكم الرئيس عبود, الذي اتخذ سياسة الحل العسكرى للمشكلة القائمة في جنوب السودان, وفي فترة الديمقراطية الثانية التي تلت ثورة أكتوبر 1964 م التي أسقطت نظام عبود, لم يتم التوافق بين القوة السودانية لحل الأزمة القائمة في جنوب السودان, ولكن نستطيع أن نقول أن اتفاقية أديس أبابا التي وقعها الرئيس الأسبق للسودان الراحل المشير جعفر نميري في عام 1972 م, وضعت حد للحرب الأهلية في جنوب السودان, وحققت إستقرار دام لمدة عقد من الزمان, بيد أن تقسيم الجنوب لأقاليم ثلاثة وإعلان قوانين الشريعة الإسلامية في البلاد عام 1983م, أدى لإندلاع التمرد للمرة الثانية بقيادة العقيد الراحل جون قرنق, وبالرغم من سقوط نظام نميرى عبر إنتفاضة السادس من أبريل من العام 1985 م, وقيام الديمقراطية الثالثة إلا أن النخبة السياسية السودانية في الديمقراطية الثالثة لم تتوافق فيما بينها لوضع حد للحرب الأهلية القائمة في جنوب السودان, نتيجة لكثرة الصراعات الداخلية بينها حول الاستحواذ السلطة, وقد أدى هذا الوضع لازدياد شدة الحرب الأهلية في الجنوب, مما أسهم في إضعاف حكومة الديمقراطية الثالثة في السودان, وسقوطها عبر إنقلاب الإنقاذ في 30 يونيو من العام 1989م.
وبالرغم من سعي حكومة الإنقاذ لتحقيق السلام في السودان, عبر توقيع اتفاقية الخرطوم للسلام في عام 1997 م, إلا أن هذه الاتفاقية لم تثمر في تحقيق السلام ووضع حد للحرب الأهلية الدائرة في البلاد, لعدم مساندة المجتمع الدولى والإقيلمى لها, لأنها لا تحقق مصالحهم, وبالتالي جاءت اتفاقية السلام الشامل (CPA) في عام 2005 م, عبر الضغوط الأمريكية لطرفي النزاع, وقد أظهرت جميع البروتوكولات التى وقعت قبل الإتفاقية, مدى تأسيس هذه البروتوكولات في باطنها لفصل جنوب السودان بالرغم من إظهارها لأن خيار الوحدة هو الأفضل للطرفين, وبينما كانت الحكومة السودانية تبحث عن مخرج لأزماتها الداخلية والخارجية التي تعاني منها, عبر توقيع إتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية, جاءت اتفاقية السلام الشامل (CPA), لتعبر صراحة عن فصل جنوب السودان, لتعزيز مصالح الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) في المنطقة, وتبرز الإعتداءات الأخيرة لدولة جنوب السودان على حقل هجليج النفطى في جمهورية السودان في العاشر من أبريل من العام 2012 م الجاري, ومن قبله اندلاع القتال في جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيى, من أن اتفاقية السلم الشامل (CPA) التى وقعت في التاسع من يوليو من العام 2005 م, ما هى إلا مسرحية دولية بقيادة الولايات المتحدة, قصد منها فصل جنوب السودان لتحقيق مصالح الدولة القائدة للنظام العالمي الجديد (US) (إسرائيل القوة) للسيطرة والإستحواذ عل نفط الجنوب, وإيجاد قاعدة انطلاق لإسقاط النظام القائم الآن في السودان الذي يتبنى قيم الهوية الإسلامية العربية, التي تتعارض مع قيم الولايات المتحدة الأمريكية, وبالطبع إسرائيل نتيجة للتعارض الدائم بينهما وبين أهل القرآن الذين يرشحهم قرآنهم لقيادة التاريخ.
الخاتمة:
اتفاقية السلام الشامل التى وقعت منذ التاسع من يوليو من العام 2005 م, بغرض إنهاء الحرب الأهلية في السودان, وتحقيق الإستقرار في السودان, لم يشهد السودان بشقيه الشمالي والجنوبي بعد التوقيع عليها أي نوع من الاستقرار, ولم تسهم في تخفيف حدة التوتر بين الشمال والجنوب, بل أججت الصراع بين الشمال والجنوب قبل وبعد إعلان انفصال جنوب السودان عن دولته الأم جمهورية السودان, كما أنها من الواضح إستهدفت خلق شرخ عميق في العلاقة بين أبناء الشمال والجنوب, وقد يسأل المتابعون للشأن السوداني, لماذا لم يتحقق السلام في السودان بالرغم توقيع اتفاقية السلام الشامل؟, واين دور ضامني عملية السلام السودانية, الولايات المتحدة الأمريكية وشركاء الإيقاد (إيطاليا, فرنسا, بريطانيا, السويد والنرويج), الذين تعهدوا بالعمل على دعم عملية الإستقرار والسلام في السودان, من الصراعات التي تفجرت بين الطرفين قبل وبعد انفصال جنوب السودان؟, أين الإيقاد؟, أين الجنرال سمبويا ذلك الإفريقى الذي صال وجال لتحقيق السلام؟, كلهم للأسف صمتوا بعد أن حققوا مبتغاهم الذي تمثل في تمكين الحركة الشعبية من السيطرة على كامل الجنوب عبر خطة محكمة اسمها اتفاقية السلام الشامل, نتيجة لعدم تمكن الحركة الشعبية من السيطرة على الجنوب عبر وسيلة العنف المسلح الذي دعموه بكل قوة ولكنه لم ينجح في فصل الجنوب, وإلا لماذا يشاكس الجنوب دولته الأم التي احترمت حق تقرير مصيره ووافقت على إنفصاله بكل هدوء, لماذا لا يحترم جنوب السودان الآلية الأفريقية بقيادة الحكيم الأفريقي ثامبو مبيكي ويرفض احترام قراراتها والتنكر لها باستمرار, يبدو من قرائن الأحوال أن دولة الجنوب ترتكز بثقلها على الدعم الأمريكي (إسرائيل القوة) لها, الذي ساهم في إنبثاقها ومن ثم دعمها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً من أجل أن تلعب له أدواراً مفصلة لخدمة مصالحه في المنطقة, وطاقية الكاو بوي التي أهديت لسلفاكير من قبل نائب الرئيس الأمريكي, والتي لم تفارق رأسه حتى الآن هي رسالة لكل من السودان ودول المنطقة مفادها أن جنوب السودان دولة فاصلة لمصالحنا وأنها تتحرك وفق أجنداتنا, وكما يقول المثل (اللبيب بالإشارة يفهم), عليه من قرائن الأحوال نجد أن دولة جنوب السودان تكونت للعب أدواراً مفصلة لصالح الدولة القائدة للنظام العالمي الحالي (US), تتمثل في حصار جمهورية السودان وإسقاط الحكومة القائمة فيه المناوئة للنظام العالمي, وتقويض الوحدة الأفريقية عبر عدم الإلتزام والمراوغة بما تصل إليه الآلية الأفريقية لفض النزاع بين الشمال والجنوب, وبالتالي الترويج لعدم ثقتهم في الآلية الأفريقية مما يساهم في إظهار صورة سالبة تكرس لضعف الإتحاد الأفريقي, وبالتالي تشكيل اتجاه يخدم هدم الشعور بالوحدة الأفريقية في وسط جميع الأفارقة, وبالتالي التمكن من السيطرة على مقدرات شعوب القارة الأفريقية ومواردها, ومن المعروف ان تشكل إتحاد أفريقي قوي يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من إظهارها لعكس ذلك, لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر القارة الأفريقية مخزون إستراتيجي للموارد الطبيعية والبشرية يسهم في الإحتفاظ برفاهية شعبها, وعليه لم يكن السودان موفق في التوقيع على اتفاقية السلام الشامل, حيث أن تكاليف الأرباح التى من المفترض أن تتحقق من هذه الاتفاقية كانت ضئيلة بالنسبة للخسائر المتوقعة من توقيع هذه الإتفاقية, والأحداث التي نشهدها الآن خير دليل على ذلك, فالحرب الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي يشنها جنوب السودان على جمهورية السودان في هذه الآونة بمساندة واضحة من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبعض دول الإقليم الأخرى, تؤكد أن ليس هنالك سلام أو إستقرار تحقق في السودان بشطريه الشمالى والجنوبي, وإن اتفاقية نيفاشا أسست فقط لتمكين الدولة القائدة في النظام العالمي الجديد لاتغيير الأوضاع الجيوساسية في منطقة القرن الأفريقية وإقليم حوض نهر النيل لتحقيق مصالح الأمن القومي الأمريكي وتطويع الهويات الثقافية فيها الرافضة لعملية العولمة في المنطقة.
باحث وخبير إستراتيجي في شؤون القارة الأفريقية ومتخصص في شؤون القرن الأفريقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.