أحببت هنا أن أورد تلميحات عن كتاب هدتني إليه نابهة إعلامية بتلفزيوننا القومي تسمى (شادية) وهي تشدو كل فينة وأخرى بما تقرأ في ثنايا كتاب عكفت عليه فترات وفترات، وحين وقفت معها في (مجالسه) و(بعض أبوابه) و(فصوله)، راقني موضوعه ومنهجه وعنوانه وهو كتاب (قصص الأنبياء) المسمى(عرائس المجالس)، لمؤلفه (أبي إسحق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري)، المعروف (بالثعلبي)، عن دار إحياء الكتب العربية في عدد (أربعمائة) صفحة متوسطة، في أحرف وكلمات جاذبة، وهناك كتب لقصص الأنبياء ولكنها لم ترقني كما راقني هذا الكتاب القصصي الذي تبتدر صفحاته بقوله تعالى: (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)، والمخاطبة هنا للنبي الخاتم(محمد) صلى الله عليه وسلم، فجذبني ذلك وعزمت أن أبوح ببعض ملامحه للإخوة القراء والقارئات علهم يقفون على تبيان وحقائق لم تتيسر لكثير منهم لسبب أو آخر وهم (أي القراء)، مطلوب اليهم رصد العلم من المهد الى اللحد.. ومع جواذب ولواهي الحياة المعاصرة ولفت الانتباه والأنظار لعدسات اللواقط والأقمار العاكسة الناقلة، رغم ذلك لا مفر أو مندوحة عن التعلم والاطلاع والنظر حتى ولو بلغنا شأواً سامقاً من الدراية والعلم والتمكن، وإن تركنا ذلك جهلنا رغم ترادف المراحل والدرجات، كما سئل أحد الأئمة الأربعة أويجهل العالم؟ أجاب (حتى يصير حماراً)، ذلك إن لم يداوم على التطور والاطلاع والتحديث في تخصصه ولا يكتفي بإجازته بالدرجة العلمية المحددة.وقد حدث يوماً أن استخف طلاب بأحد محاضريهم وهو على درجة (الدكتوراة)، فأياً كانت تجاوزاتهم، فقد أزالوا حرفي(الدال) و(الكاف) من لقب (دكتور) وتركوا ما تبقى، فكانت (رسالة) أو مجاوزة لحدود التقدير لمحاضرهم.. المربي، ولذلك ما زلت أذكر أن جامعة (جورج تاون) بواشنطن تفرض على محاضريها في (الطب) و(الاتصال الجماهيري) عليهم تقديم منظومة علمية (سنوية) كل في مجال تخصصه، وإلا رصدت علميته.. وذلك للمواكبة والتجدد العلمي.. وقدح حافظة المبادرة، فهذا كتاب إن غصت أنت فيه لا تتركه لمنشط آخر إلا لماماً، ولا استطيع إلا أن أورد عليكم بعض الملامح والفقرات، علها تدلكم على بعض التوجه اليه وهو ميسور (الثمن)، ولأن المنحى القصصي دائماً هو سمة للتشويق والمعايشة وأخذ العبرة والتماثل، سيما إن كانت هي قصص الأنبياء.. النخبة المنتقاة المؤيدة بقوة وتوفيق الإله سبحانه.. فيقول (الثعلبي) في مقدمته (إن الله تعالى قص على المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبار الماضين من الأنبياء والأمم الخالية لخمسة أمور، أي حكم، الحكمة (الأولى) منها أنه إظهار لنبوته صلى الله عليه وسلم ودلالة على رسالته، والحكمة (الثانية) أنه إنما قص عليه القصص ليكون له أسوة وقدوة بمكارم أخلاق الرسل والأنبياء المتقدمين والأولياء والصالحين فيما أخبر الله تعالى عنهم وأثنى عليهم، ولتنتهي أمته عن أمور عوقبت أمم الأنبياء بمخالفتها عليها واستوجبوا من الله بذلك العذاب والعقاب، والحكمة (الثالثة) أنه إنما قص عليه القصص تثبيتاً له وإعلاماً بشرفه وشرف أمته وعلو أقدارهم، والحكمة (الرابعة) أنه إنما قص الله تعالى عليه القصص تأديباً وتهذيباً لأمته، والحكمة (الخامسة) أنه قص عليه أخبار الأنبياء والأولياء الماضيين إحياء لذكرهم وآثارهم كما رغب خليل الله (إبراهيم) عليه السلام في إبقاء الثناء الحسن فقال(واجعل لي لسان صدق في الآخرين)، يعني الى يوم الدين، وقال الشاعر الدُريدي: وإنما المرء حديث بعدهüü فكن حديثاً حسناً لمن وعى وإن كان هذا الكتاب (مجالس) و(أبواب) و(فواصل وفقرات)، فإنه بدأ بمجلس في صفة (خلق الأرض)، فقال الثعلبي: قال الله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء)، وجعل نعت خلق الأرض على سبعة (أبواب) هي: بدء خلقها، ثم حدود الأرض وأطباقها وسكانها، و (ثالثها) ذكر الأيام التي خلق الله فيها الأرض، و(رابعها) ذكر أسمائها وألقابها، و(خامسها) ذكر ما زين الله به الأرض، و(سادسها) عاقبتها ومآلها وآخر حالها، و(سابعها) وجوه الأرض المذكورة في القرآن.وإن حرصي عليكم أن تقتنوا هذا (الكتاب) الذي لا أحرص إلا على إيراد أمثلة ونماذج منه، وأمر الاندياح والتوغل في عجائبه متروك لكم أنتم، ولكن دعوني أذكر لكم بعض ما أورده (الثعلبي) قبل (ألف عام) تامة، إذ توفي عام (427ه) وتلخيص ذلك في الأرض هو أنها (أي الأرض)، سبعة أوجه، أولها أرض (مكة) خاصة، حيث قال الله تعالى: (أولم يروا أنَّا نأتِ الأرضَ ننقصها من أطرافها)، ويعني أرض مكة، والوجه (الثاني) هو أرض المدينة) فقال الله تعالى: (ألم تكن أرضُ الله واسعة فتهاجروا فيها)، ويعني أرض المدينة، والوجه الثالث هو أرض (الشام)، فقد قال الله تعالى: (ادخلوا الأرض المقدسة)، وقال تعالى: (ونجيناه ولوطاً الى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)، والوجه الرابع هو أرض (مصر) وقول الله تعالى فيها: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) أي أرض مصر، وقوله تعالى: (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)، وقوله تعالى أيضاً: (فلن أبرح الأرضَ)، ثم قال تعالى: (إن فرعون علا في الأرض).. والوجه الخامس هو أرض المشرق، وذلك في قوله تعالى: (إنَّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض)، والوجه السادس هو (الأرضون) كلها، كما ورد في قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)، وقوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، وقوله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشاً)، والوجه السابع هو أرض (الجنة)، حيث يقول المولى سبحانه: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرض يرثها عبادي الصالحون)، وقوله سبحانه: (وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين)، فهذه هي أبواب الأرضين السبع، فإن قال أحدكم وأين أرض السودان، اذكر له أنني كنت يوماً أتحدث للقوات الأممية (بكادوقلي) فتعرضت لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (جعل السخاء عشرة أجزاء، تسعة منها في السودان، وجزءاً لسائر الخلق)، فانبرى أخ (مصري) بالقوات وقال لي أين أرض الكنانة- يعني مصر، فقلت له هي مدرجة في حديث آخر يقول (جعل الحياء عشرة أجزاء، تسعة منها في العرب وجزء لسائر الخلق)، فهدأ.. ولكم أنتم في السخاء (رزق) حين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الرزق أسرع الى السخي من السكين في سنام البعير)، دعاني لهذا قولكم المأثور (الشيء بالشيء يذكر). ويستأنف (الثعلبي) في مؤلفه هذا فيأتي (بمجلس) خلق السماوات.. أيضاً بأبوابها وهي (سبعة)، كذلك ومن بعد أن ثبت لكم أركان الأرض كلها جاء (لمجلس) أبيكم آدم وبعضكم سيقول (وأين حواء-المرأة)، فقال المفسرون في هذا الكتاب (لما أسكن الله تعالى آدم الجنة كان يمشي فيها وحشياً لم يكن له من يجالسه ويؤانسه، فألقى الله تعالى عليه النوم فنام فأخذ الله ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر يقال له القصيري، فخلق منه (حواء) من غير أن يحس آدم بذلك ولا وجد له ألماً.. ولو تألم آدم من ذلك لما عطف رجل على امرأة، ثم ألبسها من لباس الجنة وزينها بأنواع الزينة وأجلسها عند رأسه، فلما هب آدم من نومه رآها جالسة عند رأسه فقالت الملائكة لآدم يمتحنون (علمه) ما هذه يا آدم.. قال: امرأة.. قالوا: وما اسمها.. قال: (حواء) قالوا: صدقت.. ولم سميت (حواء) بذلك.. قال: لأنها خلقت من شيء حي.. قالوا: ولماذا خلقها الله تعالى؟.. قال لتسكن اليّ وأسكن اليها.. وروي أن آدم لما رأى (حواء) مد يده اليها، فقالت الملائكة.. مَهْ.. (أي امتنع)، فقال آدم: ولم وقد خلقها الله تعالى لي.. فقالت الملائكة حتى تؤدي مهرها.. قال: وما مهرها.. قالوا أن تصلي على (محمد) صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات.. قال: وما محمد.. قالوا: آخر الأنبياء من ولدك ولولا محمد ما خلقت أنت.. وهكذا يمضي هذا الكتاب المفيد العجيب، فيأتي على (إدريس) و(هارون) و(هاروت وماروت) و(نوح) و(هود) و(صالح)، ثم (عيسى)، وهكذا حتى (محمد صلى الله عليه وسلم).فاجعلوا من وقتكم أيها القراء- اجعلوا (ساعة) واحدة في يومكم تدخلون بها على هذه المجالس (قصص الأنبياء)، فإن حافظتم عليها (أي الساعة)، صرتم علماء بالمداومة.. كما وجدنا نحن صاحب (كارتر) الرئيس فكانت له (أي صاحبه) له (ساعة) واحدة يداوم عليها (ثلاثين) عاماً، فكان عالماً في جامعته وسط غيره.وكانت لي(ساعة واحدة) بعد تلاوة الفجر بالدمازين وبالفاشر.. لست سنوات متتالية.. اذكر هذا حسب طلب أخي الأكبر (سليمان طه).. أبو هاجر. ويفعل الله ما يريد.