ومازلنا في موقف الادعاء في محكمة نورمبيرج.. تلك التي أطربنا وأبهجنا فيها الثنائي «مونتقمري كليفت» و«ماكسمليان شل».. هي محاكمة للنازي.. ومحكمة مولانا «أبو قناية» هي أشد خطراً وأبلغ أثراً من تلك المحكمة.. تلك كانت تحاكم النازي.. وهذه تلاحق أحط خلق الله أخلاقاً وشرفاً.. تلك أسالت الدماء ومزقت الأشلاء.. وهذه تلاحق المفسدين الذين اغتالوا الأحلام.. ولبن الأطفال في الأثداء والابتسام.. وقبل أن نبحر في خضم البحر المخيف.. المحتشد بأسماك القرش المفترسة.. وقبل أن نضئ مصابيح تهتك أستار وأركان الظلام.. نود أن نسأل مولانا أبو قناية.. فقط لأننا لا نعرف.. حدود صلاحية هذه المفوضية.. ومهامها بالتفصيل.. نسأل رئيسها أبو قناية.. هل المفوضية تستعين أو تتكامل مع السيد المراجع العام.. وهل ينحصر عملها في كشف الفساد فقط.. أم لها صلاحية تقديم المفسد أن استقر في وجدانها السليم أنه مفسد.. هل يتم تقديمه إلى المحكمة.. نعم هذه أسئلة ملحة وواجبة الإجابة.. ولكن لن نقف كما غزالة العبادي في موقف المفضوح.. سنضئ المصابيح.. لما نراه فساداً يعلن عن نفسه حيث لا تخطئه عين.. ولكن.. وبكل صدق وأمانة.. لا ينتظر أحدٌ أن نقدم «كشف حال إفساد» مصحوباً بأدلة دامغة.. ومن نحن حتى نكشف فساداً بالمستندات يتم.. في جنح الليالي.. في الغرف المغلقة.. في الأجواء المعتمة..؟؟ سيدي أبو قناية.. كتبنا لك بالأمس عن خارطة طريق عملكم.. وهو البداية من مظان الفساد.. وقلنا إن الفساد الذي تتحدث عنه الدولة.. وقبلها المواطنون.. يشير ويصوب مسدساته إلى فئة معينة.. ليس الفقراء ولا حتى المواطنين البسطاء في مرمى النيران.. الفساد الذي «نلوكه» و«نتونس» به هو فساد المليارات.. وفساد المواقع الشاهقة التي يتربع بل يتوهط على سنامها أناس أشد خطراً وأقوى نفوذاً.. وأجل شأناً.. نقول- وأنت سيد العارفين- إن المحاكم.. المدنية والجنائية.. وفي القضايا بين الخصوم.. تبحث عن البينة الدامغة.. وإن لم تجد إليها طريقاً.. تعود إلى اليمين على الذي أنكر.. وإذا لم يحدث كل ذلك.. تعود المحكمة إلى البينات الظرفية وقرائن الأحوال.. وإذا استقر الأمر في وجدان المحكمة السليم تصدر حكمها.. وهي واثقة أنها قد حققت العدالة.. لتنام بعدها قريرة العين عن شواردها.. ولا يهمها بعد ذلك إن سهر القوم.. واختصموا.. أقول ذلك لأن المفسد لن يتورع في حالة غياب الدليل.. لن يتورع عن طلاء إجاباته بالدين الطاهر المطهر.. «يعني» إذا ظهرت النعمة.. وتطاول فاسد في البنيان.. وجرت الأموال بين أيديه كما يجري القاش في أوان فتوته والعنفوان.. ثم سئل من أين لك هذا.. لأجابك متسربلاً بالورع.. مسبل العينين.. خفيض الصوت.. قائلاً.. هذا من فضل ربي.. ولا يتركك.. حتى تسجيل هذه الإجابة حتى يتبعها بأن الله يرزق بغير حساب.. وهنا اسمح لنا بأن نعيدك إلى قصة حدثت في عهد الفاروق عمر بن الخطاب.. أعدل من مشى على ثرى الأرض بعد الرسول المعصوم عليه صلوات الله والسلام.. كان الفاروق أمير المؤمنين.. في جولة مع أصحابه.. رأى داراً تنشأ من الحجر والحصى.. قال لمن حوله لمن هذه الدار قيل له إنها لعاملك فلان بن فلان على البحرين.. قال الفاروق عمر.. أبت الدراهم إلا أن تطل بأعناقها.. ثم جرده من كل درهم غير راتبه المعلوم.. وقبل أن نختم لقاءنا بك اليوم لنواصل غداً.. نقول.. بل دعني أقول عن نفسي مباشرة في افتراض يجسر المسافة بين الدليل المادي الملموس.. وبين القرائن والمحيط الظرفي وإعمال فكر وعقل.. لأقول.. لو اشتريت أنا عربة ماركة «لادا» مصنوعة إبان الحقبة السوفيتية وتحديداً أنتجها المصنع إبان الحصار النازي لستالينغراد في أواسط الحرب الكونية الثانية.. وإذا كانت العربة ب(خمسة مليون) جنيه بالقديم.. وإذا كانت تمشي خطوة اثنين مستحيل.. وإذا كان «دخاخينها» تزيد للحظة والتو ثقب الأوزون.. هنا حتماً الأستاذ أبو العزائم.. مخدمي الرئيسي سوف يقول ويدير شريطاً في «عقله» فقط وفي سره طبعاً.. إني تحصلت عليها.. إما بتلميع من لا يستحق.. أو تهديد من لا «يدفع».. أو متابعة «قلمي» حلاً وترحالاً.. لصانع قرار.. أو تنفيذي خطير.. أو صاحب مقام رفيع.. وهنا.. يجدر بالأستاذ أبو العزائم.. أن يستدعيني ويقول لي في حسم.. «مع السلامة.. وتاني ما تجي الجريدة دي..» وداعاً وحتى بكرة..