النقد الذي يوجه لنظام الإنقاذ يتركّز في إصرارها على تولية المناصب التنفيذية لمجموعة محددة ذات توجه سياسي طال الخدمة المدنية ويرون أنها استمرارية لسياسة التمكين التي طبقها الترابي عندما كان الممسك بجميع الخيوط وبموجبها نقل الكثير من أتباعه من الحياة البسيطة المتواضعة الى امتيازات الوظيفة. ومن زاوية المسؤوليات والخبرات هذه جاء معظم النقد استناداً الى أن الكفاءات الإدارية والقدرات المهنية غير مرتبطة باللونية السياسية والإصرار على تولية أصحاب لون سياسي محدد يفقد الدولة جهود كثيرين بل يحولهم الى أصحاب إبداع عكسي أي سيتحولون الى عنصر تدمير نفس المرفق الذي لهم خبرة بدروبه فهل هذه السياسة ذات نتائج سلبية دائماً وهل نظام الإنقاذ هو أول من ابتدعها في قطاعات. يرى مراقبون سياسيون ومتخصصون أكاديميون أنه من الطبيعي أن يحرص كل نظام على من ينتمون لفكره ولا يعقل أن يكون النظام إسلامياً ويعطي الوظائف المفصلية لمن يرفض أي دور للدين في الدولة السياسية. كلنا لاحظنا ماذا فعل الشيوعيون عندما سيطروا على النظام المايوي في عامه الأول وكيف طبقوا تلك المجازر في الخدمة المدنية وأدخلوا مؤيديهم الى كل مفاصل العمل التنفيذي.. وامتد ذلك حتى الى قطاعات الأمن بكل دوائره الداخلية والخارجية حيث حدثت إعفاءات بالجملة في صفوف ضباط الشرطة والجيش وأنهيت خدمات الكثير من الشعراء وموظفي الخدمة المدنية والمعلمين ليحل محلهم الآلاف من كوادر الحزب أو من فرق اليسار حتى البعثات الدراسية كانت تتولاها اتحادات الشباب والمرأة التابعة لفرق اليسار فلا يستفيد منها إلا من كان مؤمناً بفكرهم. النظام المايوي عندما اصطدم بالشيوعيين وتخلص منهم عقب محاولاتهم الانقلابية الفاشلة جعل تولي الوظائف أو الترضيات الوظيفية من باب واحد هو الاتحاد الاشتراكي «التنظيم الأوحد الذي أقامته حكومة مايو». وعندما أطاحت الانتفاضة بالنظام المايوي وحلت محله حكومة منتخبة بعد عام كان أول ما قامت به هو التخلص من كل من له علاقة بمايو على مستوى الخدمة المدنية والجيش والأمن، بل تم حل جهاز الأمن وتصفيته حتى يتم التخلص نهائياً من كل من له صلة بنظام مايو وهذا الأمر كان يتم علناً وبشعارات رفعها الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك «إزالة أثار مايو» وهذا التاريخ الحافل للأحزاب يؤكد أن نظام وضع الموالين في السلطة كان معترفاً به من كل التنظيمات السياسية التي عندما كانت في السلطة وبدت تنتقده عندما فقدت السلطة. ويرى المراقبون أن هناك وظائف ذات طبيعة فنية بحتة والذين يتخصصون فيها في الغالب لا لون سياسي لهم وبالتالي فإن التعامل معهم وفق معايير الأيدلوجية يجعل النظام يخسر مرتين يفقد الكوادر الموالية التي وظفت في مواقع لا تلائمها ويفقد خبرات ثمينة والنتيجة الطبيعية لذلك انهيار المرافق. واتفق الجميع في النهاية على أهمية أن توكل المناصب الحساسة لمن يؤمن بالفكر شريطة أن تكون له الخبرة الكافية طالما كان على استعداد لتقديم كل ما لديه من خبرات. ويقول د. الفاتح عز الدين رئيس لجنة الفساد والمظالم بالبرلمان في حوار مع «آخر لحظة» إنه حقيقة كثيراً ما تثار مثل هذه الأسئلة والقضايا في المجتمع والشارع العام وعلى مستوى الأهل والأقارب والجيران وهي أسئلة موضوعية وشرعية ولكن الحقيقة هي أن الدولة وضعت تدابير قاسية للجان الاختيار بصورة عامة ووضعت أيديهم على القسم أن تكون المعايير هي الفيصل في الاختيار للوظيفة. وأشار الفاتح الى أن الولاء السياسي لا يمكن إنكاره عندما جاءت الإنقاذ في 89 وكانت تؤسس لأفكارها ولكنه انتهى الآن وأصبح الميزان قائم على العدالة وإرضاء نفوس السودانيين وتطييب خواطرهم جيمعاً والتعبير عن أشواقهم. وقال السودان ذاخر بشباب على قدر عال من الكفاءة والخبرة مشيراً الى أن الولاء السياسي نفذه الشيوعيون عندما قاموا بالتطهير في الخدمة المدنية والإسلاميون كذلك غير مبرئين. وتحدى الفاتح أي شخص يقول إنه تم توظيفه بالولاء السياسي الآن.