إننا نشهد بوجود جهد واهتمام واضح بأمر الزراعة في ولاية الخرطوم من أجل تطويرها والنهوض بها ، وهذا يأتي اعترافاً بالدور الاقتصادي الذي يمكن ان يتحقق من الزراعة، والإهتمام الذي نراه هو من الحديث عن زيادة ميزانية الصرف على الزراعة وقد تابعنا هذا الاهتمام منذ عهد وزير الزراعة السابق المهندس صديق علي الشيخ ، ونرى الآن وزير الزراعة الجديد السيد أزهري خلف الله ورغم قصر مدته ولكننا نرى بأنه قد انطلق نشطاً يتابع وعلى الطبيعة كل ما يتعلق بأمر الزراعة، وقد تابعنا هذا من خلال تحركه المستمر لمتابعة مشاكل الري بسبب انحسار النيل، ومن هنا لابد أن اذكر لهذا الوزير الجديد موقفاً نادراً كنت شاهداً عليه، فقد جاء في زيارة لمنطقة ريفي شمال أم درمان متفقداً لمشاريع مقترحة لقيام ترع جديدة، وكذلك وقف على أزمة الري الحالية في انحسار النيل من بعض المشاريع، ثم عاد مرة أخرى ليتفقد بالجزيرة اسلانج حالات العطش لاماكن شاهدها في زيارته السابقة ويريد أن يعرف ماذا حدث فيها، وليس الأمر عن الزيارة فقط بل في التوقيت الذي حضر فيه السيد الوزير، وقد كان بعد مغيب الشمس، وأصر أن يذهب ليشاهد على الطبيعة وأكبرت فيه هذا الإصرار. وقد كان لسوء حظي بانني الوحيد الذي سيرافقه في هذا الظلام ليشاهد الطلمبات التي لم تصلها المياه ورغم صعوبة الموقف بالنسبة لي ولكني قد كنت سعيداً بهذه الخطوة لأنه مشوار، ورغم وعورة السير اليه ولكنه قطعاً سوف يحقق النتيجة التي نريدها طالما السيد الوزير سوف يشاهد بنفسه طلمبات ليس أمامها قطرة ماء، وفعلاً وعلى ضوء البطاريات استطعنا ومعي الوزير واحد من مرافقيه بأن نصل إلى تحت القيف واستطاع الوزير أن يرى عدداً من الطلمبات وعلى ضوء البطارية ولا يوجد بها قطرة ماء ليروي أي مساحة من الزراعة، وبعد ان تعثرت عدة مرات وبمساعدة الشاب الذي كان في صحبة السيد الوزير مشكوراً نهضت مرة أخرى واكملنا المشوار وتحقق المطلوب من الزيارة وشاهد السيد الوزير الموقف الذي يحتاج للإسعاف العاجل، ومن هناك عدنا للدار واستطعت وبسرعة أن اجمع مع السيد الوزير مجموعة من المزارعين اصحاب المسؤولين ومن يتابعون الأمر أنني اذكر هذه الحادثة لتأكيد الجهد المتزايد الذي نشهده اهتماماً بامر الزراعة في ولاية الخرطوم وهو جهد يبشر بالخير، كما نقول حقيقة هامة بأن الزراعة في ولاية الخرطوم من الممكن ان نجعلها من أكثر الولايات في عائدها الاقتصادي من الزراعة وخاصة في أمر الصادر. كما ان الخرطوم قد اصبحت مأهولة بالسكان ولذلك فهي محتاجة ان تكتفي من انتاجها من كل أنواع الخضروات وكذلك الانتاج الحيواني من لحوم والبان ونشهد الآن ومن ضمن التطور الذي شمل الولاية في الزراعة فقد انتشرت المزارع المتطورة علمياً كمزارع الأبقار والدواجن والتي ساعدت كثيراً في كسر حدة الغلاء في اللحوم البيضاء بوفرة منتجاتها، اننا نريد أن نقول بأن الزراعة بكل أنواعها تحتاج أن نوفر لها أهم احتياجاتها وهي الأرض والماء وكذلك توفير ودعم كل المدخلات الزراعية مع ضرورة التعامل التقني معها، وكما هو معلوم فإن ولاية الخرطوم غنية بأراضيها الزراعية اذا استطعنا ان نحافظ عليها من ازدياد الهجرة نحو العاصمة وان أول احتياجات هؤلاء المهاجرين البحث عن السكن، ونقول بأن أخطر القضايا على العاصمة التشجيع المستمر من الحكومة لهذه الهجرة المتزايدة والإصرار على توفير السكن لكل الراغبين وهذا واضح من تزايد الأحياء السكنية بتوفير الخطط والامتدادات لاستيعاب هؤلاء المهاجرين، وهذا بلا شك يضعف من مساحة الأراضي الزراعية التي نتحدث عن ضرورة المحافظة عليها، وما دفعنا لطرح هذا الموضوع عن الزراعة، فهناك المشروع الجديد الذي نسمع عنه هذه الأيام. وهو مشروع الخريطة الهيكلية للعاصمة. وهذا المشروع سيكون من أكبر المهددات للزراعة لأنه مشروع يهتم بأمر السكن ولا يهتم بالزراعة وهذا مفهومنا عنه ونأمل الا يكون فهماً صحيحاً وان تبادر الجهات التي وضعت وصممت هذا المشروع بتكذيب مفهوم أن الخريطة الهيكلية لا تهتم بالسكن وحده بل تضع اهتماماً كذلك لمستقبل الزراعة في الولاية، ولكن الواقع الذي يوصلنا لحقيقة خطيرة حوله يجبرنا بأن ننبه له بل نحذر عنه ونناقشه بكل الوضوح والصراحة. ومن هنا فإننا نناشد السيد والي ولاية الخرطوم وأننا نشهد له بأنه يسعى جاهداً لخير هذه الولاية وما تجده الزراعة في الولاية هو أحد اهتماماته، ولكن الذي توصلنا لحقيقته فهو يهدد الزراعة في هذه الولاية، ويهدد المواطنين أصحاب الحق الأصيل في الزراعة بالولاية وأعني بهم الذين لا يملكون شبراً من الأرض الزراعية أو السكنية في كل ولايات السودان وحقوقهم فقط في ولاية الخرطوم وغيرهم ومن يتوفر لهم السكن والزراعة في الخرطوم لهم كذلك أراضيهم في ولاياتهم التي جاءوا منها وأريد من خلال هذا الحديث أن أطرح لسيادة والي الخرطوم بل و إلى السيد النائب الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه القضية التي أردت توضيحها فإن المواطنين بالجزيرة اسلانج ريفي شمال أم درمان وهم يعتمدون في حياتهم على الزراعة فقد تم التصديق لهم بعدد أربع جمعيات تعاونية زراعية ومساحة الجمعية ألف فدان فقط وقد كان من الضروري وحسب التعداد السكاني التصديق للجمعية بخمسة ألف وقد قبلنا بهذه المساحة رغم ضعفها، وسارت الإجراءات في أمر هذه الجمعيات حتى وصلنا لمرحلة التسليم وبعد ان صرفنا الكثير من الأموال والوقت وعشنا على أحلام الفائدة من زراعة هذه الأرض وبكل أسف فقد تفجرت أمامنا قنبلة بل أننا لازلنا في ذهول من الذي سمعناه فقيل لنا بأن أمر تسليم الأرض قد توقف لماذا؟ لأن مساحة هذه الجمعيات قد اصبحت جزء من الخريطة المحورية، نعم هذا ما سمعنا به ونقله لنا المتابعون لأمر هذه الجمعيات ونحن نرفض أن نسمع ما قيل لنا، ونحن نسأل السيد والي الخرطوم عن حقيقة ما سمعناه ونتمنى الا يكون صحيحاً، ولو كان كما لا نتمنى فهل اصبح السكن له الأهمية أكثر من الزراعة.؟ وقطعاً فإن الاجابة الواجبة ان تكون بأن الزراعة لمستقبل المواطن بالولاية أهم من توفير السكن لمواطنين مهاجرين ويمكنهم ان يجدوا السكن والزراعة في ولاياتهم التي جاءوا منها، ونحن في الجزيرة إسلانج كجزء من أهل ولاية الخرطوم ظللنا نعيش على مساحة من الأرض محدودة ومنذ مئات السنين وفي جزيرة يحيطها النيل من كل جوانبها وقد حدث ان وقعت بنا كارثة غرق مركب راح ضحيتها احد عشر مواطناً، وجاءنا السيد النائب الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه معزياً ومواسياً في هذه الكارثة وخاطبنا قائلاً إنه سوف يعمل على درء المخاطر عن مواطني الجزيرة إسلانج فكلفت شخصياً بمخاطبته وفي حضور السيد الوالي عبد الرحمن الخضر وقلت لسيادته بأن درء المخاطر يتمثل في مساعدتنا في تسهيل أمر الحصول على الأراضي الزراعية الخلوية التي تقدمنا لها لنذهب لزراعتها في فترة الفيضان حتى لا نتعرض للمخاطر ونريد تسهيل أمر الرسوم المفروضة على هذه الأراضي، وحينها نطق السيد النائب الأول وقال «قد عفوناكم منها» أي من هذه الرسوم، وبالفعل قد تم تنفيذ أمر النائب الأول وبدلاً عن الاعفاء الكامل فقد اصدر المجلس التشريعي لولاية الخرطوم مشكوراً خطاباً بخفض الرسوم بأن ندفع فقط 10% من جملة المبالغ المقررة، وبالفعل قد تابعنا اجراءات هذه الأراضي وهي كثيرة ومعقدة ومرهقة ومع ذلك والحمد لله فقد توصلنا إلى مرحلة استلام الأرض على الطبيعة ولكن وبكل أسف فقد فوجئنا بما سبق ذكره بوقف امر التسليم لأن ما تسمى الخريطة المحورية للخرطوم قد شملت الأراضي التي صدقت لنا ونعتقد بأن هذا الأمر خطير لدرجة كبيرة، وهو قطعاً سوف يتضرر منه مواطنين آخرين بولاية الخرطوم، ونحن نأمل من السيد والي ولاية الخرطوم بمراجعة أمر هذه الخريطة المقترحة ومن الواجب ان نراعي فيها أمر الزراعة بولاية الخرطوم أكثر من السكن، ونحن مع تأييدنا لمقترح الخرطة الهيكلية ولكننا نرجو الا نهتم بالسكن على حساب الزراعة. ونسأل من الله التوفيق