لي صديق إماراتي من قبيلة كبيرة من قبائل البدو.. حكى لي أنه ومعه عاملين وعدداً كبيراً من الإبل نزلوا بالقرب من عزبة رجل بدوي من قبيلة أخرى تتبع لإمارة أخرى.. وكان لديه أيضاً عدد كبير من الإبل وهو مثلنا من هواة تربية الإبل العربية الأصيلة.. لم نلبث إلا قليلاً وأقبل علينا وسالمنا ورحب بنا وقال مرحباً بكم إني أتيت لأحييكم وأطلب أن تقبلوا ضيافتي مدة إقامتكم جواري.. قلنا مرحباً ولكن لا نود أن نثقل عليكم.. قال: لا والله أنتم ومن معكم وإبلكم على ضيافتي.. فصار يقدم لنا الأكل والشرب وهو عبارة عن ذبائح من التيوس العربية والأرز ولا يتركنا نحتاج لشيء أبداً حتى الشاي والقهوة.. وكذلك يقدم العليقة والأكل والشرب لإبلنا قبل إبله.. فتمت مهمتنا وغادرنا بعد أن شكرناه ونحن في أشد العجب من هذا الكرم الذي شمل حتى الإبل. ثم قال لي صديق أنصحني ووضح يا شيخ هل أذهب إليه بهدية والله إني في حيرة من أمري.. قلت له: دعني استخير ربي وأخبرك غداً إن شاء الله لعل الله يدلنا على مخرج طيب في حيرتك.. قلت له عندما أتاني باليوم الثاني رد جميله وادعوه إلى وليمة غداء كبيرة تتناسب مع قدره عندك.. وادعو له أعيان الناس وأذبح الإبل وادعو الشعراء ليحيونه.. وكذلك ادعو الفرق الشعبية البدوية لتقدم عروضها. فكان حفلاً جميلاً سر المحتفى به سروراً عظيماً.. وقال لصاحبي في أذنه: والله لن أغادركم حتى تزوجوني بنتاً من بنات هذه القبيلة الكريمة.. أريد أن أرتبط معكم بنسب بني أساسه على الكرم.. قال لي صاحبي: قلت له طيب خاطرك ولن تذهب إلا وأنت مبسوط.. فدخلت على والدتي وهي إمرأة مسنة لكنها كريمة كرماً يضرب به المثل.. قالت من ترشح.. قلت: أختي فلانة فهي حقاً تناسب هذا الرجل الكريم. فوافقت الوالدة والبنت ولكن والدتي اشترطت عليه أن لا يدفع لهم إلا صداق مائة درهم إماراتي فقط ويحضر مع جماعته لعقد القران ويصطحبا العروسة بدون أي شيء لا ذهب ولا هدايا ولا أي شيء.. وهذا شرطها.. وافق على مضض والحمد لله تم الزواج واصطحب عروسه إلى بيته وكان زواجاً مباركاً لم يكلف العريس أي شيء رغم أنه كان الزواج في ذلك الوقت يكلف مبالغ خرافية. سمع الشيخ زايد بالقصة بحذافيرها وقال تحركوا لنبارك للعريس والعروسة وأهلها هذا الزواج المبارك.. وقال يسرني جداً ويسعدني سعادة قصوى أن يكون بشعبي أمثال هؤلاء الكرماء فليسمحوا لي بأن أهدي لهم وأكرمهم جميعاً تكريماً تتناقل أخباره العربان.. فتوجهت إليهم من الشيخ زايد إبل إن رأيت مقدمها لا ترى آخرها.. وإن رأيت آخرها لا ترى مقدمها.. وكل ما شهرت به عطايا زايد من سيارات وأموال. رحم الله الشيخ زايد حكيم العرب.. فقد كان قائداً فذاً وكريماً عطوفاً ومتواضعاً لدرجة أنه يمازح شعبه ويكرم المتفوقين والمبتكرين والشعراء وعامة الناس.. يهوي الشعر ويعطي كل من وقف أمامه من الشعراء أجزل العطايا.. وفي مرة من المرات كان في مجلسه عدد من الشعراء.. كل واحد يلقي القصيدة وزايد يعطيهم بذات اليمين وذات الشمال.. فجأة تقدم أحد البدو لما رأى العطايا وقال للشيخ زايد وهو ليس بشاعر لكنه ذكي.. قال للشيخ أنا شاعر لكني عندما رأيت هيبتك ضاعت مني القصيدة ولم أعد أتذكر منها إلا بيتاً واحداً يا شيخ زايد أنت قائد وأنت أبüü من عرفناك خيرنا زايد فضحك من ذكاء هذا الإعرابي.. فأعطاه كثيراً وقال له تعلم الشعر. وورث أولاده كرم والدهم.. بل كل المسؤولين بالدولة يحاولون دائماً التشبه بزايد.. فالتشبه بالرجال فلاح.