مولع أنا بهذه الحكاية .. كلما كتبت فى صحيفة لابد أن «أجيب سيرتا» .. وسر إعجابى بها ثلاثة أمور :- الأول :إن فيها عظة وعبرة .. الثانى : إن الزمن يمضى والناس لا يشعرون به .. الثالث : إن الكلام الكثير يمكن أن يختصر .. عموماً تعالو نطلع عليها مجدداً .. فقد يكون فى الإعادة إفادة .. كان يامكان فى قديم الزمان .. كان فى ملك من الملوك , أرسل إلى كبير مؤرخى عصره طالباً منه أن يلخص له تاريخ الانسانية فى كتاب واحد ليسترشد به ويهتدى بحكمه ، بعد أن غاب المؤرخ الحكيم عشرين سنة قدم الى القصر ووراءه جمل محمل بعشرين مجلداً ضخماً، ما ان رأها الملك حتى اعترته الدهشة . كان قد نسى ما رغب فيه يوما من الاطلاع على سير الملوك السابقين واخبار الدهور السالفة، فلما ذكره المؤرخ الذى انفق اخصب سنى عمره فيما كلف به من عمل قال له الملك: ها أنت ترى ما أنا غارق فيه من شؤون الحكم، ألا يمكن أن تختصر لى هذه المجلدات كلها فى مجلد واحد أو مجلدين، وليتك تعمل فإن الوقت يمضى سريعاً . عكف المؤلف على النظر والتحرير خمس سنوات أخرى وهو يشعر كلما حذف جزءاً من مؤلفه الضخم انه يقطع رقعة من جلده، ورجع متأبطاً مجلدين كبيرين ، فنظر إليه الملك بشئ من الاسف وقليل من الخجل فقد كان المجلدان أضخم مما تصوره . وفهم المؤرخ الاشارة فأنصرف بمجلديه وعاد بعد عامين وفى يده مجلد واحد لطيف الحجم ولكنه وجد جلبة فى القصر وأخبروه ان الملك مريض جداً، والاطباء داخلون وخارجون عليه فهم بالانصراف، واذا بكبار الحاشية يترقبون حضوره فربما كان لقاؤه هو آخر رغبة لملكهم الشغوف بالحكمة. قدم المؤرخ العظيم مجلده بيد ارعشها كبر السن، فوضعه الملك بجانب فراشه وهمهم، لا اظننى اعيش حتى اقرأه ،ألا تستطيع أن تخبرنى بمجمله، اقترب حتى أسمعك. قال الحكيم : نعم يامولاي انها ثلاث كلمات : وُلدوا.. تعذبوا.. ماتوا