حلة «تمبل بي» لا يكاد يخلو بيت سوداني من هذه الحلة، حيث توارثتها الأسر جيلاً بعد جيل، بيضاوية الشكل، ثقيلة الوزن كانت تصنع من الفخار في السابق وتفضلها النساء لطهي الطعام لسرعتها واحتفاظها بكميات كبيرة من البخار الذي يؤدي إلى ترشيد الوقود.. «آخر لحظة» قامت بجولة داخل أسواق هذه الحلل في أم درمان، حيث التقت بعدد من أصحاب المحلات الذين أكدوا أن هناك إقبالاً كبيراً على هذه الحلة من قبل سيدات المنازل، بل إنها تتصدر أنواع الحلل الأخرى بالرغم من ارتفاع سعرها وتنوع شكلها من الشكل البيضاوي إلى المربع، وهناك صاجات تصنع بنفس طريقة «الحلة»، وأصل التسمية يرجع لاسم الرئيس التشادي الأسبق تمبل باي، وتسمى حلة «فلاته».. هذه المعلومات التي حصلت عليها «آخر لحظة» جعلتها تبحث عن سر الإقبال عليها.. والسؤال عن أصل هذه الحلة، وما هي المواد التي تصنع منها؟ كل هذه التساؤلات وغيرها جعلتنا نقوم بالبحث عن صناعتها، وبما أن منطقة مايو واحدة من المناطق التي تم وصفها لي باعتبارها مشهورة بهذه الصناعة، أخذت أوراقي والكاميرا وذهبت إلى هناك. في وسط مايو بالقرب من السوق يقع منزل ناصية، هكذا تم وصف المنزل، وعندما طرقنا الباب ودخلنا من أول نظرة يخال إليك أنك تقف داخل فرن لا منزل، وشاهدنا رجلاً وهو يحمل كميات كبيرة من علب المياه الغازية ويلقي بها في النار التي هي بمثابة بركان مشتعل وبعض الصبية يغطون قوالب بالرمال والطمي في أشكال ومقاسات مختلفة، فاستأذنا في الدخول وعرفتهم بأنني صحفية وأعد مادة عن صناعة هذه الحلة، فرد الرجل الواقف أمام الفرن بأنه لا يوجد مانع إذا لم يعطل العمل، وبدأ الحديث بأن اسمه علي بابكر الفاتح، وأنه يعمل في صناعة الحلل منذ أكثر من «30» عاماً وتوارثها عن الأسرة، وفي رده من أين يأتي بالخام قال: نجمع الخردة القديمة من سوق أم درمان، وهي عبارة عن علب المياه الغازية وجربكس وبساتم العربات وكل ما هو مصنوع من الألمنيوم وأي خردة قديمة، ونقوم بتسخينها على درجة حرارة عالية إلى أن تنصهر، وبعد ذلك نضعها في قوالب ونصبها في رمال البحر على الشكل الذي نختاره، فتكون جاهزة للتسويق. ما شاهدته أثناء حديثه القيام بصب كميات من علب المياه الغازية من جوالات بلاستيكية وبها نفايات أخرى من أكياس البلاستيك وأقمشة وخرد أخرى جعلتني أشبه هذه الحلة بأسلحة الدمار الشامل، وذلك لأن الخردة لا يتم الاستغناء عنها إلا إذا كانت تالفة، والجربكس والبساتم طوال مدة خدمتها في السيارات تتعرض للتلوث.. وبما أن هذه الخردة ليست مصنعة من الألمونيوم فقط ومضاف إليها الرصاص.. إذن هذه الحلة تحمل كميات من الرصاص الذي يدخل في الصناعة لأنه يعطي نوعاً من المرونة واللون اللامع. ما شاهدته وسمعته جعلني الجأ إلى طبيب اختصاصي الأورام والسرطانات للسؤال حول هل هناك خطورة في استخدامها، وما هي الأضرار التي تنجم من تكرار استخدامها على المدى البعيد، حيث التقيت بالدكتور أحمد عمر عبد الله استشاري الأورام والغدد والكشف المبكر عن الأورام بمستشفى الذرة، الذي قال: يدخل معدن الرصاص في كثير من الصناعات مثل الدهانات والبوهيات والكيماويات والصبغات، لإعطاء اللون اللامع والليونة، ومن المفترض أن يستخدم بمواصفات محدودة ونسبة مفيدة مسموح بها عالمياً حتى لا تؤدي إلى حدوث مشاكل، والضرر الذي يحدث من استخدام الرصاص إما يكون عن طريق التعامل معه مباشرة وهذا بالنسبة للعاملين في مجالات الصناعات المرتبطة به إذا لم يلتزموا بقوانين الصحة المهنية التي تقلل من المخاطر، وهناك الضرر الثاني عن طريق التعامل المباشر أو غير المباشر مع المصنعات التي يدخل في تصنيعها الرصاص كمكون، والضرر الصحي على جسم الإنسان مباشرة يكون بسبب استعمال الرصاص أكثر من المعدل المسموح به بنسبة عالية جداً يمكن أن تسبب مشاكل تبدأ مباشرة على الدم الأحمر وتسبب فقر الدم، ومن الدم قد ينتقل إلى الأعضاء مثل الرئتين والكليتين والكبد وتصيب الجهاز التنفسي أو الهضمي أو البولي، فتسربها إلى الأعضاء كالرئة أو الكبد وبتراكمه بصورة مستمرة، تصبح كميته كبيرة فتؤدي إلى تليف الأعضاء، مما يؤدي بدوره إلى سرطان الكبد، والتسرب يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة، وهنا يكون ناتجاً عن استنشاق كميات كبيرة من الرصاص. وإذا نظرنا إلى المطابخ نجد أن هناك كثيراً من الأواني التي تستخدم في طهي الطعام يدخل في تركيبها الرصاص، مثل أواني الطهي والقلي، وهذه بدورها ينطبق عليها التفاعل الذي يتم بطريقة غير مباشرة مع المواد الغذائية إلى جسم الإنسان عن طريق المواد الغذائية التي تم طهيها بواسطة هذه الأواني، وعن طريق الجهاز الهضمي يتم امتصاصه فيصل الدم والكبد والرئة والقلب ويسبب مشاكل صحية قد تؤدي إلى الإصابة بأنواع من السرطانات الشائعة، سرطان الاثنى عشر والمعدة، وهذه لا نستطيع أن نقول إن الرصاص يتسبب مباشرة في الإصابة بها، بل إنه واحد من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان في وجود مسببات أخرى. وأوضح أن معدن الألمنيوم أقل مشاكل صحية من الرصاص، إلا إذا تفاعل مع معدن آخر وحدثت له أكسدة فيتسرب منهما ثاني وأول أوكسيد الكربون الناتج عن الاحتراق، وهنا الضرر يتم بتفاعل كيميائي للمواد الغذائية وجزء من المواد الكيميائية، فتحدث الأضرار الصحية.