إن لم يكن من الصعب فمن المستحيل أن لا يتناول إنسان يومياً غذاء دون أن يكون مضافاً إليه إما مواد حافظة أو لون أو طعم لإضفاء مذاق طيب ولون جذاب، الملاحظ أن استخدام المعلبات والوجبات المحفوظة في ازدياد مع سرعة إيقاع الحياة اليومي لاعتماد كثير من الناس على الوجبات السريعة لأسباب كثيرة، بالمقابل أظهرت كثير من الدراسات علاقة وثيقة بين ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطانات خاصة المريء وارتفاع معدلات استهلاك مركبات النترات في الطعام، آخر لحظة حاولت أن تفرد مساحة لتعريف المجتمع بمدى تأثير مضافات الأغذية على صحة الإنسان وما هو دور الجهات ذات الصلة بطرق استخدامها، بالإضافة إلى أي مدى يمكن الحماية منها؟ ففي البدء للتعريف بهذه المضافات ومدى مصدرها وتأثيرها على صحة الإنسان، التقينا باختصاصي تكنلوجيا اللحوم بجامعة الزعيم الأزهري بروفيسور حمزة أحمد أبوقرون الذي تحدث عن هذه المضافات قائلاً: تضاف المواد المضافة إلى الأغذية لتؤدي وظيفة معينة تتمثل في الحفظ واضفاء نكهة لاكتساب لون أو تحسين صفات المنتج لتقليل انكماش أو تحسين قوام، بعض المواد المضافة ضرورية ومهمة، وبعضها غير ضروري والبعض منها غير آمن ومهدد للصحة، عند تقييم المادة المضافة يتطلب الأمر حساب تقييم الفوائد والمخاطر للوصول إلى ضرورة استخدام المادة المضافة من عدمه، وكثير من المواد المضافة تكون آمنة إذا اتبعت الإرشادات واللوائح الخاصة بحدود استخدامها. لتطوير تقنية الغذاء أصبح بعض المصنعين يضيفون بعض المواد لزيادة هامش ربحهم دون توضيح ذلك على البطاقة التعريفية، وخير مثال لذلك استخدام الهرمونات كمحسنات نمو للدواجن والعجول في الولاياتالمتحدة وأمريكا الجنوبية، وتعتقد هذه الدول أنها تستخدمها في حدود آمنة، غير أن بعض الدول الأوربية الأخرى امتنعت عن التعامل مع هذه اللحوم، وثبت علمياً أن هذه الهرمونات تسبب بعض أنواع السرطانات وتساهم في زيادة نسبة سرطان الثدي بنسبة 55% والبويضات بنسبة 120% والبروستاتا بمعدل 190%، وثبت أن هناك أدلة على أن بعض المنتجين يحقنون الحيوانات بمعدلات تفوق المسموح به في دولهم مما يرفع نسبة الهرمونات المتبقية في اللحم، والتي تشكل مهدداً صحياً للمستهلك، كما أن بعض المزارعين يحقنون العجول في بعض أجزاء جسمها ليزيد قيمته 80%، وأوضح أن هناك بعض المواد التي تضاف إلى الأغذية وهي محسنة وراثياً، وهناك اعتقاد أن تناول هذه المواد يضر بصحة المستهلك وتحظر كثير من الدول تداول مثل هذه المنتجات، وقال إن المواد المضافة الضارة بعض الملونات والمنكهات، حيث أسفرت الأبحاث المتعلقة بالمواد المضافة عن أن كثيراً من المواد الملونة ضارة بصحة الإنسان (مسرطنة)، كالتي تستعمل في الحلويات (حلاوة المولد)، وأكد بروف حمزة أن استخدام الألوان في كثير من الأغذية غير ضروري ويجب تفاديه والابتعاد عن تناوله والاكتفاء بتناول الغذاء في حالته الموجود عليها، وأوضح أن المنكهات وهي غالباً ما تصنع من بروتينات، إذ يتم تكسير البروتين إلى وحدات وتنتج النكهة حسب معدل التكسير، وهذا البروتين صويا أو دم أو حيوان ما، وهنا يجب أن يعرّف المنتج للغذاء أو المورد مصدر المصنّع منه النكهة خاصة في الدول الإسلامية، وهناك بعض المواد المضافة خاصة في مجال اللحوم، وأعني النترات وما يدور حولها من نقاش لكونها تتسبب في تكوين مادة مسرطنة والتي تحدث بتفاعل النترات مع الأمينيات الثنائية أو الثلاثية في وجود درجة حرارة تفاعل مرتفعة، غير أن مركبات التترزامين التي تتكون بسبب هذا التفاعل، لم توجد في اللحوم المتبعة بمقادير مهددة للصحة، إذ أوضح التقرير أنها وجدت بمستويات البليونية وليست المليونية، ولا توجد أي تقارير تشير إلى إصابة بعض المستهلكين طيلة الفترة التي استهلك فيها الإنسان هذه المنتجات، رغم ذلك فشل العلماء في إيجاد بديل مكافيء للنترات، إذ أن النترات تمثل حماية ضد البكتيريا اللاهوائية المطلقة والتي تسبب التسمم العصبي، مثل هذه البكتيريا لا يمكن أن تعيش في وجود النترات، لذا يعتبر وجود النترات المعبأة في اللحوم أماناً ضد البكتيريا القاتلة، إضافة إلى أن النترات تساهم في تحسين لون المنتج، ولكن اللحوم المعبأة لا توجد فيها نترات تسبب خطورة، وعند تقييم مثل هذه المواد المضافة يجب أن نضع في الاعتبار الفوائد والمضار، إذ أن المخاطر الناتجة من تناول النترات في اللحوم تمثل 5%من المخاطر التي تكون في مصادر الغذاء الأخرى من ماء الشرب والخضروات الورقية، فإذا أرادت الدولة أن تحمي مواطنيها من المخاطر الكامنة التي تسود عالم الغذاء خاصة المستورد، عليها أن تتعرف على مكونات الأغذية بإضافاتها المختلفة، ويتطلب هذا الأمر الاحتكام بالقرارات المختبرية والمعملية، بحيث تجلب لها أحدث الأجهزة والمعدات النادرة على كشف خبايا الأغذية، كما يتطلب الأمر تدريب الكوادر، وفي الوقت الحالي لا نمتلك مثل هذه القدرات، وعليه من باب الحرص يجب أن لا يتم استيراد أي مدخل أو منتج غذائي لا تستطيع الكشف عن مكوناته، فهناك الكثير من الأغذية التي دخلت البلاد دون رقابة عبر منافذ التهريب وصحبة المسافرين، وعلى الدولة سد هذه الثغرات ومراجعة القوانين وتحديد الجهة المعنية المسؤولة عن هذه الرقابة. بالرغم من أن البروفيسور أبوقرون في بداية حديثه قال أنا لا أريد أن أخوف الناس من هذه المضافات بقدر ما سوف أحاول أن أدعوهم إلى التقليل منها خاصة الأطفال، إلا أن ما قاله يدعو إلى الخوف ويجعل الكل يتساءل ما هو البديل لهذه الأغذية ذات المضافات؟ آخر لحظة التقت بخبيرة التغذية التي فضّلت عدم ذكر اسمها، وقالت إن الدراسات العملية أثبتت أن هناك علاقة بين المضافات والأمراض على المدى البعيد، وقد منع استخدام الملونات والمحليات الصناعية والهرمونات في الصناعات الغذائية منعاً بذلك لأخطارها الصحية على الصحة، وفي ردها على ما هو الغذاء الصحي، قالت هو الغذاء الذي يؤمن جميع احتياجات الجسم من العناصر الغذائية، ويشمل جميع المجموعات الغذائية، وحددت أن المقصود بالعناصر الغذائية أنها البروتينات والنشويات والدهون والفيتامينات والأملاح المعدنية والماء، وتوجد هذه العناصر في الأغذية التي قسمت إلى ما يسمى المجموعات الغذائية التي هي الحبوب والخبز واللحوم والبيض والفواكه والخضروات والدهنيات والسكريات، ولابد أن يكون هناك تنوع من هذه الأغذية مع تقليل الدهنيات وتجنب القلي بقدر الإمكان والإكثار من الألياف الموجودة في الفواكه والخضروات والإكثارمن تناول الماء، مع ملاحظة الابتعاد عن المعلبات والأغذية المحفوظة صناعياً قدر الإمكان والتركيز على الطعام الطازج، وبما أن الحياة العصرية لا تخلو من تناول الأغذية المحفوظة، فلابد أن يتخلص الإنسان من هذه السموم باتباع بعض السلوكيات الصحيحة مثل ممارسة التمارين الرياضية والمحافظة على الوزن والمراقبة الدائمة، لأن بعض الهرمونات المضافة تؤدي إلى زيادة الوزن وزيادة الكوليسترول في الجسم، بالأخص اللحوم المحفوظة والمصنعة. بما أن وزارة الصحة الاتحادية قد خصصت قسماً خاصاً بالرقابة على الأغذية برئاسة الأستاذ إسماعيل أحمد الذي تحدث عن الرقابة الصحية على مضافات الأغذية والآثار الجانبية من استخدام مضافات الأغذية في ورقة قدمها خلال ورشة عمل مضافات الأغذية، حيث قال إنه تم تحديد قواعد سلامة الأغذية وأهميتها من التجارة الدولية في اتفاقية الصحة والصحة النباتية واتفاقية الحواجز التقنية أمام التجارة بمقتضى هذه القواعد، فالطرف المستورد أو الشركة المصدرة يطلبان الالتزام بهذه التدابير وضمان التزام الموردين وسلسلة الإنتاج، وأوضح أن هناك جهات اختصاصها تقييم المواد المضافة وهي لجنة الخبراء المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة الأممالمتحدة، ومنظمة الصحة العالمية ولجنة الكوكس لمضافات الأغذية والملونات، وحدد مخاطر صحية مرتبطة بمضافات الأغذية، حيث قال بالرغم من أن مضافات الأغذية تضاف بكميات ضئيلة إلى الأطعمة، إلا أن كثرة تناولنا للأغذية المعنية يجعلنا نتناول من هذه المضافات كميات غير قليلة في اليوم الواحد، حيث إنه يكاد لا يخلو غذاء مصنع من المواد المضافة، وقال إن هذه المواد لا تسبب ضرراً سريعاً يظهر في وقت قصير، بل لها أثر تراكمي، أي أن هذه الكميات الضئيلة تتراكم في الأعضاء المهمة في أجسامنا كالكبد والكُلى لتظهر آثارها الضارة على المدى البعيد ربما بعد عدة سنوات، غير أن هناك بعض المضافات التي قد تظهر أعراضها سريعاً في شكل حساسية لهذه المواد، وهذا غالباً ما ينتج عن الألوان والصبغات في الأطعمة، فمن المعروف أن بعض الصبغات تسبب حساسية شديدة عند البعض قد تودي بحياتهم، حيث تسبب الحساسية (الربو)، وخير مثال لذلك مادة الكبريتيد التي تستخدم لمنع تغير لون الفواكه المجففة، حيث صرحت إدارة الغذاء والدواء بأنها تسبب حساسية لحوالي 1%من البشر، وحوالي 5%من من يعانون من الربو، وتسبب اعتلال الكبد واعتلال الكُلى والذي قد يؤدي إلى الفشل الكلوي على المدى البعيد، والأورام السرطانية والتهاب عضلة القلب وضعف الخصوبة خاصة عند الرجال، وتشوهات الأجنة. وحول الدور الرقابي على الأغذية قال إنه نشاط تنظيمي الزامي تتولى السلطات القومية والولائية والمحلية توفير الحماية للمستهلكين، وأوضح أن هناك جهات ذات صلة بالرقابة وهي يقع على عاتقها وضع القوانين والتشريعات المنظمة لتداول واستخدام المضافات الغذائية، وهي الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، والصناعة والتجارة، والأمن الاقتصادي ووزارة الصحة الاتحادية، وأوصى إسماعيل الكامل بتشديد الرقابة على مدخلات الإنتاج وضرورة مواكبة القوانين والتشريعات للمستجدات الصناعية في جودة وسلامة الأغذية.