بالأمس أحكمت حكومة دولة جنوب السودان رباط حبل الأزمة حول عنقها عندما نكصت وتراجعت عما اتفقت عليه أمام القمة الرباعية، التي ضمت إلى جانب السودان وجنوب السودان كلاً من كينيا و يوغندا و اثيوبيا، و اللجنة الرفيعة التي كونها الاتحاد الأفريقي للوساطة بين الخرطوم وجوبا. تراجع الفريق سلفاكير ميارديت رئيس دولة جنوب السودان بعد وقت قليل عما تم الاتفاق عليه داخل اجتماع اللجنة الرباعية، والذي قام على أن يحصل السودان على نصيب عيني من البترول لمدة شهر، ليبدأ التفاوض بعد ذلك حول التكلفة والمستحقات، وتحدث رئيس الوزراء الاثيوبي السيد مليس زيناوي عقب الجلسة الأولى التي تم الاتفاق فيها على ما أشرنا إليه، مشيداً بروح التعاون التي أفضت إلى هذا الاتفاق الإيجابي. في الجلسة الثانية المخصصة للتوقيع، وبعد فترة استراحة قصيرة بين الجلستين - الأولى و الثانية - خاطب السيد مليس زيناوي القمة المصغرة وصفق الحضور لهذا الإنجاز الكبير، ليرفع السيد سلفاكير يده طالباً الحديث ليفاجأ الرؤساء بنكوصه عما تم الاتفاق عليه متعللاً بأن وفده المرافق اعترض على ذلك الاتفاق. الرئيس البشير خرج غاضباً من الاتفاق، و اتخذ المفاوضون السودانيون موقفاً سريعاً بالعودة إلى الخرطوم بعد الجلوس الذي كان اختباراً لمصداقية حكومة دولة الجنوب وجديتها في الوصول إلى حلول حقيقية وجذرية للمشاكل القائمة والقضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا. حكومة جنوب السودان انتحرت سياسية أمام دول الاتحاد الأفريقي بعد هذا الموقف المتردد و المخزي، وقد ظلت تستعين ب«صديق» طوال فترة التفاوض ، وكان هناك فريق من المستشارين النرويجيين يسجل و يناقش و يتابع مع أعضاء الوفد ويدفع بباقان أموم لينقل الأفكار و التصورات و المواقف إلى سلفاكير الذي وضع الحبل على عنقه، وخسر تأييد و تعاطف كل أفريقيا باستثناء يوغندا التي حاول وزير خارجيتها أن يدفع بقضايا أبيي وجنوب كردفان وغيرها إلى ساحات التدويل لولا حزم وحسم وعزم السيد رئيس الجمهورية الذي سأله عن مصدر معلوماته المغلوطة. نستطيع القول وبكل ثقة إن تاريخاً جديداً، بل مستقبلاً جديداً بدأت تظهر ملامحه في المنطقة ، وتحديداً بين دولتي السودان وجنوب السودان .. فقد شرعت الأخيرة في الانتحار.