دائماً من الدعوات المحببه للمسلم لأخيه بظهر الغيب هي الدعوة بطول العمر، وصلة الرحم من أكبر القنوات التي تقود إلى إطالة عمر المؤمن، وطول العمر يقود إلى التدبّر في أمر الكون والعباد والقيم والعلاقات الانسانية حتى السياسية والاقتصادية الخ، ولذلك العلماء وذوو الحظوة من أهل الفكر كلما تقدم بهم عمرهم كلما ازدادوا حكمة ومرجعية وتدبراً وتفقهاً في أمور العباد والمعاش، وكلما زاد عمر المرء ازداد علماً وتجربة، وتوهج منهج الاجتهاد القائم على العقلانية والتجربة والمعرفة بأمور الناس. ظلت فتاوى الدكتور حسن الترابي والامام الصادق المهدي وهما أهل ثقة وعلم دنيوي وديني واجتهاد، اضافة إلى أنهما من الزعماء السياسيين والمفكرين بالسودان.. وهو أمر نفخر به كما نفخر بجلَّ علمائنا الأفذاذ من أهل الدنيا وأهل الدين، واجتهاد الشيخين بالتأكيد صاحبه تطور فكري وتراكم علمي،ونضج منهجي في الفتوى والاجتهاد ونظريات السياسة من مدخل تأصيلي وحداثي، والصادق المهدي يصف في منهجه بأنهم من أهل الوسطية الاسلامية، وفي اجتهاده الأخير حول فقه المرأة والتي كم بإسمها تم تكفير علماء مسلمين أفذاذ، والامام لم يجتهد من فراغ ولم يجنح لإحداث فرقعات اعلامية بل استصحب معه التحولات الديمقراطية في ثورات الربيع العربي، والتي أيقظت فيهم هذه الثورات تساؤلات وأفكار حول كيفية الحكم بالديمقراطية، والتصدي للمسألة الاقتصادية، والتعامل مع الراهن الثقافي الذي يجد نفسه حائراً ما بين التأصيل والتحديث، ثم التعامل مع حقوق المرأة التي تجد نفسها أيضاً حائرة ما بين حقوقها الاسلامية وحقوقها الانسانية، في تعقيد أجابت عنه شريعتنا السمحه، ولكن أبى بعض المتنطعين إلى اقحامها في سفسطائيتهم الجدلية غير المجدية بتجاوز سافر وجاهل بأنها انسان كامل ساوت بينها عقيدتنا الشاملة والرجل في التكليف، مع التأكيد على الاختلاف البيولوجي الذي فسره البعض بأنه نقص وما هو الا تخصيص لكي تؤدي رسالتها في هذا الكون مناصفة مع الرجل لإعمار الكون أناسا وقيما وأخلاقا واعمارا للمعاني كما تعمر البسيطة بالمباني!! وآراء الامام الجريئة والتي استدل عليها بالقرآن والسنة.. جلبت له التكفير، والامام ليس لديه عقدة تجاه المرأة فهو يفخر بأنه ابن امرأة من كرائم الانسانية تقوى واقداماً وحكمة. وأذكر هنا بعضاً من مقتطفات الذاكرة ففي احدى مؤتمرات والي الخرطوم تم تقديم قارئ لآية من الذكر الحكيم لافتتاح المؤتمر، والوالي رجل شجاع الفكر والقلب.. قال لم نسمع في عهد الرسول أو صحابته أو في منهج التاريخ الاسلامي انه يتم افتتاح مجلس بالقرآن .. قال: أعلم أن هذا التصريح سيعود علىَّ بهجوم من بعض رجال الدين.. ونحن لأننا نحترم الوالي كصحفيين ولا نريد فتح جبهة مع هولاء .. لم يذكر صحفي في صحيفته ما قاله الوالي!! ولا أريد أن أسهب حول رأي أحد قاداتنا أن السكران لايقام عليه الحد، فنحن في غنًى عن فتح أبواب جهنم المتنطعين، ونحن دين متجدد متطور بدماء اجتهاد علمائنا ومفكرينا الذين لايقدح بل يجرؤ أحد على التشكيك في علمهم. الامام المهدي لم يكن موقفه تجاهل من قام بتكفيره بل أكد «أن موقفنا من هذا العبث بإسم الدين، إن قام بتحميل الحكومة مسؤولية أن تحملهم على سحب فتواهم التكفيرية، والاعتذار عن تلويث مناخ السودان بهذه الفتاوى الظلامية، وإن أبو وأصروا على الحنث العظيم، أكد انهم سيلجأون للقضاء لمساءلتهم عن التعدي على اختصاصه، وعن قذف العقائد وهو أكبر من قذف الأعراض»، وحذر المهدي بأنه إذا تقاعس القضاء أو عجز فإنهم سوف يتصدون لهم حتى ننتصف منهم لأن خطرهم على الاسلام والسودان صار واضحاً. باختصار مع التحول والحراك الفكري والسياسي والاجتماعي الحادث في المنطقة العربية الاسلامية واستباقاً للظواهر المجتمعية والانسانية المتوقعة من افراز الواقع الجديد كان المهدي الامام المجدِّد أحد المبادرين للبحث حول الراهن الجديد وتحليله، وهذه مسؤولية وواجب ومنهج القادة الاسلاميين من قيادة وقادة للفكر الاسلامي والانساني، وذلك في حال تخلق واقعاً انسانياً بكل اتجاهاته وسماته وبصماته حتماً سيلقي بظلاله على حياة العباد ولكن أبى عليه الظلاميون الذين لا تتجاوز احاطتهم بصفة المرأة الانسان إلاَّ فقه الحيض والنفاس والوطء والنكاح وهي التي كرمها الله وجعل الجنة تحت قدميها.!