ü لا زالت مصر تعيش مخاضاً عسيراً لاستكمال الثورة أو حركة التغيير الذي لم يكتمل، فالصراع بين النظام القديم الذي فقد رأسه، ما زالت مؤسساته وأدواته تعمل وتواصل نهجها القديم وعاداتها المتأصلة في إدارة الدولة ويتحكم في حركة الحياة والناس، ليجعل التغيير الجذري عبر هدم القديم وتفكيكه وبناء نظام جديد يتطلب المزيد من الانتفاضات والصدامات، كهذا الذي نشهده هذه الأيام من هبة شعبية جديدة تقدمها الشباب الذي ضحى وقدم الشهداء والجرحى بالأمس من أجل الإطاحة بحسني مبارك وأعوانه لكنه فوجيء بأن أهداف الثورة في الحرية والكرامة لا زالت تتعسر. ü كانت أحداث مباراة الأهلي والمصري في بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 70 قتيلاً ومئات الجرحى، تعبيراً عن حالة الاحتقان التي تعيشها البلاد، وكشفت عن الاختلالات والهشاشة الأمنية التي لا زالت تؤرق حياة المصريين في أعقاب ثورة 25 يناير، التي انهزمت خلالها أجهزة أمن النظام في مواجهة الشعب الثائر، وأخلت الميدان للقوات المسلحة التي وقفت على الحياد أو انحازت بشكل أو آخر للشعب ورفضت توجيه أسلحتها ضد الجماهير، وكان هذا هو مدخل المجلس الأعلى لاستلام السلطة خلال الفترة الانتقالية برضاء عام من النخب السياسية والثقافية والجماهير، بالرغم من التكليف الصادر من الرئيس المخلوع (للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لإدارة شؤون البلاد) كما يقول خطاب التنحي الذي أعلنه للشعب نائبه عمر سليمان. ü لم تمضِ إلا ساعات معدودة حتى انتقل الانفجارمن بورسعيد إلى القاهرة والمدن الكبرى في انتفاضة واسعة تشبه تلك الأحداث التي تعاقبت على مصر في أعقاب الثورة في شارع الكورنيش أمام مبنى التلفزيون القومي(ماسبيرو)، وأحداث شارع محمد محمود، وشارع القصر العيني أمام مجلس الوزراء ومجلس الشعب، فتجمعت الجماهير مرة أخرى في ميدان التحرير وعادت إلى شارع محمد محمود والفلكي لتحاصر وزارة الداخلية التي بات المصريون ينظرون إليها باعتبارها مقر التآمر والثورة المضادة، ولم يشفِ غليلهم اجتماع مجلس الشعب وما صدر عن رئيس الوزراء كمال الجنزوري من قرارات تلاها على المجلس بإقالة محافظ بورسعيد ومدير أمنها وإقالة اتحاد الكرة والتحقيق معهم.. ومن هنا جاءت مطالبة المجلس الاستشاري المعين من قبل المجلس الأعلى بضرورة (إعادة هيكلة) وزارة الداخلية وتطهيرها والتحفظ على جميع المسؤولين السابقين الذين كانوا ضمن معاوني الرئيس المخلوع، وتوزيع أبنائه ومعاونيه المحبوسين في (سجن طرة) على عدد من السجون والمواقع الأخرى، خصوصاً بعد تصاعد الاتهامات (لمجموعة طرة) بالتآمر وتدبير الاضطرابات من خلال التخطيط والاتصال بأعوانهم خارج السجون، كما حث المجلس الاستشاري على ضرورة الإسراع بانتقال السلطة إلى رئيس مدني منتخب فور الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى، كما قامت لجنة لتقصي الحقائق مكلفة من مجلس الشعب بزيارة بورسعيد للإطلاع ميدانياً على آثار أحداث المباراة والاستماع لشهادات وآراء المواطنين هناك، وهي كما قال النائب عمرو حمزاوي ليست لجنة تحقيق جنائية إنما تنحصر مهمتها في تنوير مجلس الشعب والمواطنين بحقائق الأوضاع وتترك القول الفصل في المسؤوليات الجنائية للنيابة العامة والقضاء بحكم الاختصاص. ü مهما يكن من أمر، فإن مصر تشهد في هذه اللحظات عاصفة جديدة وتظاهرات وصدامات صعب على السلطات الحاكمة السيطرة عليها، ولا ندري على وجه التحديد ماذا ستكون نتيجة هذه الانتفاضة الجديدة المطالبة بوضع حد ل(حكم العسكر) وهو الحكم الذي يراه شباب الثورة جزءاً لا يتجزأ من الثورة المضادة. ü أما في سوريا، فإن (مفرمة الأرواح) مازالت تعمل، ويذهب العشرات مع شروق كل شمس وغروبها إلى بارئهم، ويتمسك بشار ونظامه بالمعالجة الأمنية لمداواة الشعب بالتي كانت هي الداء على مدى أكثر من أربعين عاماً مضت القمع والقتل والسجن الذي لا يستثني الشيوخ والأطفال والنساء، وجاء استخدام كل من روسيا والصين مجدداً لحق النقض(الفيتو) لعرقلة اعتماد مشروع القرار المقدم يوم السبت لمجلس الأمن ليعطي ضوءاً أخضر إضافياً للنظام لمزيد من الولوغ في دماء السوريين، استخدمت روسيا والصين الفيتو بالرغم من تصويت 13 من أعضاء مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به الدول الأوروبية والجامعة العربية، تماماً كما فعلتا في الخامس من أكتوبر الماضي لإحباط مشروع قرار مماثل وقال مندوب المغرب- التي صاغت مشروع القرار- عقب التصويت: أود أن أعبر عن خيبة أملنا وأسفنا الكبيرين للفيتو الروسي والصيني، كما عبر عن خشية بلاده أن يقود إسقاط مشروع القرار سوريا إلى مزيد من الاحتراب والدمار وتدهور الأوضاع الإنسانية، واتهم وليام هيج روسيا والصين ب(التخلي عن الشعب السوري) بفرضهما الفيتو على قرار في مجلس الأمن الدولي يدين القمع الدامي في سوريا، وكذلك نددت سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدة بموقف روسيا والصين وقالت إننا فعلنا ما يمكن للوصول إلى إجماع، وأكدت أن بلادها ستقف بكل حزم إلى جانب الشعب السوري، ووصفت بشار الأسد بأنه طاغية جبان، بينما زعم مندوب سوريا في مجلس الأمن بأن حكومته ستعمل من أجل وضع حد للأزمة على المستوى السوري أولاً، ومن خلال الجهود العربية ثانياً. ü روسيا بررت عرقلتها مع رفيقتها الصين، لمشروع القرار بأن الوثيقة المقدمة للتصويت لا تعكس الحقائق الكافية عما يجري في سوريا، وتعطي (إشارة غير متوازنة بالنسبة للأطراف المتنازعة) على حد تعبير المندوب الروسي الدائم لدى الأممالمتحدة فيتالي تشوركين، الذي قال أيضاً: ينبغي على المعارضة السورية أن تنأى بنفسها عن الجماعات المتطرفة التي ترتكب أعمال العنف، بينما قال وزير الخارجية الروسي سيرغني لافيروف للصحفيين في وقت سابق إن روسيا لا تزال غير راضية عن مشروع القرار الذي وصفه بأنه (غربي)، لأنه يدين الحكومة السورية أكثر مما يدين المعارضة، بالإضافة إلى المطالب الكثيرة التي يجب أن تنفذها الحكومة السورية بينما هي غائبة عن المعارضة، والمشكلة الأخرى- كما قال- هي المطالبة باستقالة الرئيس بشار لكن الأمن العام للأمم المتحدة عبر هو الآخر، عن خيبة أمله في فشل اعتماد مشروع القرار ورأى في الفيتو الروسي- الصيني تقويضاً لدور الأممالمتحدة والمجتمع الدولي، في الوقت الذي كان يجب أن تسمع فيه سوريا صوتاً واحداً يدعو للوقف الفوري للعنف ضد شعب سوريا. ü اللافت في تصريحات لافيروف وتشوركين هو اعتبارهما مشروع القرار مشروعاً (غربياً)، بينما الحقيقة التي يعلمها الجميع هو أن مشروع القرار الذي عكف على صياغته بشكل رئيسي هو الوفد المغربي بناء على خطة العمل التي أقرتها الجامعة العربية بالإجماع في اجتماع مجلسها الأخير في 22 من الشهر الماضي، وهي خطة تدعو لتفويض الرئيس صلاحياته لنائبه وتستبعد التدخل العسكري. ü صحيح أن الدول الغربية استحسنت الخطة ومشروع القرار ودعمته ودافعت عنه، إلا أن هذا لا يجعل المشروع (غربياً) ولا الدعوة لتنحي الأسد دعوة غربية، فذلك مطلب رفعه الشعب السوري بعد شهور طويلة من القمع والقتل المنهجي بما أفقد النظام أي شرعية ووضعه في مواجهة الشعب الذي كان ابتداءً يطالب بالإصلاح والتحول الديمقراطي الذي لم يستجب له بشار وزبانيته على مدى عشر سنوات أمضاها في الحكم يمني الشعب بالإصلاح والتغيير دون أن يروا لذلك أثراً في حياتهم. ü الفيتو الروسي الصيني الجديد وضع سوريا في مهب الريح، ريح صرصر عاتية من الصراع بين النظام الذي اعتمد الحل الأمني سبيلاً للخلاص من الثورة والشعب الثائر مدعوماً ب (الجيش الحر) الذي لن يجد أمامه من سبيل غير مواصلة الثورة والتصدي للنظام بذات وسائله في معركة مفتوحة على المجهول، نعم هو مجهول الآن، لكن التجارب علمتنا أن النصر في خاتمة المطاف هو حليف الشعوب المقهورة والمضطهدة.