سيحزن كثيرون عندما يقرأون هذا الخبر إلا وهو رحيل العالم الإنسان اللواء الدكتور عبد الكريم درويش عليه الرحمة والرضوان، فقد كان إنساناً فذاً قليل المثال وكان نسيج وحده ينطبق عليه قول الشاعر:- ونفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإقداما وصيرته سيداً هماما وعبد الكريم درويش لمن لا يعلم هو أحد رجال الشرطة الأفذاذ في الوطن العربي وفي العالم، وأحد العباقرة في البحث الجنائي، بل هو مكتشف البصمة الفردية في عالم التحقيق الجنائي، وقد كان اكتشافه فتحاً لتعقب الجريمة واكتشاف مرتكبيها.. وقد كان هذا الفتح على أهميته جانباً يسيراً في سيرته الذاتية العلمية، فقد كان - رحمه الله - رائد التعليم الأكاديمي الشرطي في العالم العربي. فهو مؤسس أكاديمية الشرطة العليا في مصر كأول أكاديمية في المنطقة العربية الأفريقية، ولم يسبقها إلا الجامعة الشرطية في الصين، والجامعة الشرطية الأسترالية، والأكاديمية الأمريكية.. وعلى نهجه وعبر الأجيال التي قام بتخريجها وإعدادها تم اكتشاف أكاديميات الشرطة في اليمن، ودولة الأمارات، والمملكة العربية السعودية، والمركز العربي للدراسات والتدريب الذي تطور إلى أكاديمية نايف العربية، وأكاديمية الشرطة بالشارقة في دولة الأمارات العربية، وليس بعيداً دوره عن المساعدة والإسهام في تطوير العلوم الشرطية في السودان.. بإعداد الكوادر العلمية من حملة الماجستير والدكتوراة في علوم الشرطة والقانون عبر الفرص الكبيرة التي أتاحها للدارسين من الضباط السودانيين عندما كان رئيساً لأكاديمية الشرطة في جمهورية مصر العربية - باعتباره مؤسسها الأول، وباعتباره رئيس المجلس الأعلى للشرطة في مصر.. وهو الشرطي الوحيد الذي بلغ وظيفة نائب وزير الداخلية من الضباط العاملين في الخدمة، بحيث لم تتكرر هذه الوظيفة بعده لأي ضابط قيادي آخر، فأعلى الوظائف في جهاز الشرطة هناك كانت ولا تزال مساعد أول الوزير. عبد الكريم درويش عالم مرموق من علماء الإدارة العامة ويحمل درجة الدكتوراة في الإدارة العامة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما يحمل درجة الدكتوراة في علوم الشرطة والقانون، وقد أحرز في حياته المديدة كثيراً من الدرجات العلمية والدراسات والبحوث.. كما تميَّز بالتأليف في علوم الشرطة والإدارة العامة.. وهو العالم الإداري الذي نقل ترجمة (الأمبدزمان) في مجال الرقابة العامة للعالم العربي.. لقد كان إسهام اللواء الدكتور عبد الكريم درويش في النشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي والأمني في مصر مضرب الأمثال.. فقد كان واحداً من أميز قادة الاتحاد الرياضي العام في مصر.. كما كان من رواد رياضة التايكوندو والكراتية، كما كان يحمل الحزام الأسود في هذه الرياضة، وقد عممها على مستوى معاهد وكليات مدارس الشرطة والقوات المسلحة، وكان مرجعاً في هذه الرياضة، وكان أحد المرموقين على مستوى العالم في هذه الرياضة. لقد كان عبد الكريم درويش موسوعة رياضية أمنية شرطية إدارية على مستوى العالم وعلى مستوى الإقليم، وكان إنساناً كبير القلب محباً لوطنه وعروبته وأمته ومجتمعه.. وقد استفادت الأممالمتحدة - في أخريات حياته - من خبراته في أكثر من مجال كمستشار للأمين العام للأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب.. وفي تطوير النظم الأمنية الداعمة للأمن والسلم الدولي.. إلى أن لقي ربه راضياً مرضياً وثورة شعبه الذي أحبه تتهيأ للاحتفال بعيدها، فكان رحيله بعد أن تنسمت مصر الحرة أهواء الحرية والعزة والانعتاق.. ألا رحم الله أستاذنا وحبيبنا وصديقنا في فترة من أزهى فترات عمرنا- أستاذ اللواء الدكتور عبد الكريم درويش- وأنزله في فسيح جناته بقدر ما أجزل وأعطى.. وداعاً أبا كريم فقد كنت علماً وأمة وكنت رمزاً خالداً من رموز أمتنا وأوطاننا.