يحمل اللقاء السنوي للدفعة «24» بنادي الضباط رمزية تتعدى مجرد الاحتفالية إلى أبعاد انسانية تفتأ ترسم معالم تمتد على مسار ما يقارب الأربعين عاماً من تاريخ القوات المسلحة بل ويمتد إلى فضاء الحياة العامة بالوطن بأسره. في السادس عشر من مارس 0791م مثل ولوج «007» ونيف من الطلاب الحربيين إلى ساحة الكلية الحربية منعطفاً رامزاً ارتبط بطموحات إجتراح تحولات لازمة في القوات المسلحة منهجاً وتطبيقاً وأعتدة. لقد أظهرت سنوات الحرب في جنوب السوداني وتصاعد المواجهة العربية الاسرائيلية نقصاً ذريعاً في عددية الضباط إضافة إلى حاجة ماسة إلى تحديث التأهيل ومناهجه وأساليب الأداء القتالي والإداري في سائر أقسام القوات المسلحة حينها. وقد كان المنطلق في اتجاه التصحيح استيعاب الدفعة «42» على أسس جديدة من الاختيار ومطلوباته وربط ذلك بأسس تأهيلية غير مسبوقة انبنت على العقيدة العسكرية السوفيتية ومناهجها التدريبية وتسليحها وهياكلها التنظيمية. هذه الطليعية هي ما وسمت أداء الدفعة «42» منذ بواكير أنخراطها في العمل العسكري انتشاراً على امتداد خارطة الوطن وكان ذلك أيضاً ابتدار التواثق من أجل الفعل الوطني والذي تماهى من أدنى مستويات القيادة في الثغور المتنائية وحتى مستويات القيادة في ذراها الأعلى.. خلال السنوات الثلاثين الماضية حيثما توجهت في رحاب الوطن ألفيت ثمة من يمثل الدفعة «42» على المستوى الجغرافي المكاني او الوظيفي المهني فالزخم العددي لهذه الدفعة بتعزيز من ارادة العطاء إضافة إلى جرعات التلقين الاكاديمي الفاعل أفرز هذا الإختراق الواسع لمجمل مواقع العطاء حتى على مساق الحياة العامة وأنماطها. ربما يكون أو هو بالفعل مأثرة فذة واستثنائية بكافة معايير القياس مقارنة حتى بالجيوش على نطاق الاقليم ان يبدأ ضابط صغير حياته العملية ولسنوات تطول بمنطقة نائية تفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة بدءاً بالماء الصالح للشرب مروراً ببؤس المأوى والمأكل وغياب وسائل الإضاءة وانتهاء بالمهددات الأمنية والتي تصل إلى فقدان الحياة يغدو هذا الضابط وعبر هذا المسار الضنك حاملاً للقب أكاديمي رفيع. أي البواعث يمكن ان تكون وقوداً لهكذا انطلاق سوى التصميم الراكز والذهنية المثابرة والاحتمال الذي لا تخور اركان بنائه.. أذكر في هذا المقام د. علي كردي ضابط حرس الحدود الذي قاسى مكابدة الثغور القصية سنين طوالاً ليحصل خلالها على درجة الدكتوراة ومثله ضابط المدفعية الأغبش د. حسن عوض سلامة والذي أحتل مكانه بين العلماء العرب وهو يحصل على جائزة اكاديمية على نطاق الباحثين العرب في جانب الزراعة والتي حصل على دكتوراة في مجالها وأذكر أيضاً ضابط المرابط الصاروخية بالدفاع الجوي عبد الرحمن أرباب المحاضر بمعهد الدراسات الاستراتيجية وعضو مجلسها القومي.. وهناك د. كمال حسن أحمد والذي حصل على الماجستير وهو يرابط ضمن القوة السودانية المشاركة في الدفاع عن قنال السويس حتى ظفر بالدكتوراة وظل قائماً على حاجات الإخوان من موقعه بالقوات المسلحة ثم من خارجها ضمن كوكبة طيبة بجمعية الدفعة «42» الخيرية والتي نذكر بالخير رئيسها العفيف النزيه اللواء ركن محمد حسن خيري.. وموطأ الأكناف عبد الحليم سيد أحمد والوفي أحمد عباس ومن ابتدر فكرتها أخا الروح يحيي عباس ورفيقه في المبادرة معاذ أبو القاسم ندعو الله ان يجعل ذلك في ميزان حسناتهم جميعاً. وعلى صعيد العطاء الميداني قدم منسوبو الدفعة «42» معالم راكزة في مشهد القدرة القتالية للجيش السوداني وصيته الذي تناهى إلى ذاكرة الجوار الأقليمي الافريقي والعربي وغدا ثابتاً من ثوابت تقييم السودان والسوداني معاً وبالذاكرة ضمن مواقف عديدة تتعدى الحصر والتدوين أحمد الزغاوي والذي صمد بعصابة جد قليلة في العدد والعتاد أمام الآلاف المدعومين من دولة مجاورة ليعلم الخصوم ومن ساندهم ان الجيش السوداني وحتى حينما يكون في أضعف حالاته ليس باللقمة المستساغة .. المرحوم أحمد حماد ابو سدر والذي حوصر في قلة وشح من الزاد حتى طعموا جلود أحذيتهم وحمى زمار منطقته حتى بلغه المدد بعد شهور توالت فلم يهن ولم يجزع ولم ير في الأمر سوى الطرافة يرويها باسماً متضاحكاً وغير متباه.. آدم هارون وسيد أحمد سيد أحمد وبشير عبد الله الشيخ وكاكوم وعطا المنان والذين لايكادون ينقلون من منطقة عمليات إلا ليعادوا إلى أخرى. ولم يعترضوا ولم يتبرموا ولم يعرفوا إلا مصادمين صامدين.. خليفة ابو شنب والذي أسقط عن ممارسته الميدانية ما يعرف باستخدام الساتر.. عبد الله خير الله وموسى حسن أحمد وعصام عبد الله حامد والذين قادوا قوات تقل كثيراً عن الاستحقاق القانوني لرتبهم في أتون عمليات مائرة ورغم حقهم في الاعتراض لم يفعلوا اصطباراً منهم واستشعاراً للواجب الكبير. ابو بكر خلف الله معاذ ابو القاسم. والهادي عطا المنان رحمه الله وعباس سيد أحمد وكوكبة أخرى من الضباط لانغمطهم حقهم ظل شرق الاستوائية بفضلهم ضمن الخطوط الخضراء ولسنوات طويلة.. إبراهيم بشير وأحمد عباس بشير عبد الله الشيخ وعباس سيد أحمد.. والذين لم يتجهموا في وجه طالب حاجة مرسيين بذلك أمثلة رفيعة في تهذيب السلوك الاداري وفي ذكر الادارة نذكر يوسف عبد الفتاح والذي تستصرخ إليه شوارع الخرطوم هذه الايام وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. وفي الصحافة تحتل كوكبة مواقعها ونلمح دون عناء مجدى مكي، سيف الكناني مكاوي أحمد عبدالرحمن مثلما تحتل كوكبة أخرى مواقعها في الساحة الرياضية مثل شاكر شمس الدين كابتن عزيز، سليمان أبو داؤود، محمد عبد الواحد، عصام عبد الله حامد، ومثلهم من الشعراء بشرى الصوفي، مكاوي أحمد عبد الرحمن، علي عيساوي، بشير العمدة، وشاعر الفرائد د. السر مصطفى الاستاذ بجامعة الملك عبد العزيز وصاحب الوجدانية الرائعة. جف القصيد أم استراح كتابي أم راح عن قلبي هوى أحبابي وفي سياق المحاماة نبصر هاشم يسن، عبد القادر سيد احمد وجهاد ابو درق المستشار الآن في قانون الهجرة الامريكي بالولايات المتحدة. ترى أين يمضي بنا قطار التذكر هذا والذاكرة محتشدة بالمواقف ومفردات العطاء مما تزدحم به أضبارات الفعل الرسمي وشواهد التاريخ وذواكر الشهود. بيد أن أعظم مآثر الشرف تكمن في ازدهاء هذه الدفعة بأنها اصطفت وعلى مقدمة أولويتها وحامل سيفها السامق الخلوق محمد فايز محمداني والذي ظل على مدى السنوات مثالاً شاهقاً لأداء الواجب وعفة اللسان واليد.. التحية للنجوم الزهر زائني الأفق العسكري في بلادنا دفعة السبعمائة فرداً فرداً من مضى منهم مأجوراً مطيب الذكر حياً بأفعاله ومن بقى منهم وما بدل تبديلا.