وما زلت في بكاء ونواح الخنساء.. بأنني لست محامياً.. وما زلت التحف السواد وافترش الرماد.. أسفاً وحزناً على مستقبل «براي سويتو في نفسي».. ولم أصبح محامياً.. صدقوني وعندما كان أي طفل أساس.. أو تلميذ متوسطة أو طالب ثانوي.. يرسم لنفسه مستقبلاً في الخيال.. أو المحال.. أو باعتبار ما سيكون.. تتعلق روحه وروح كل عائلته.. وأهله.. بأن يصبح طبيباً.. أما أنا فقد كانت تأسرني في استعمار استيطاني لا فكاك منه ولا تحرر منه، أمنية أن أكون محامياً.. تبددت آمالي.. وطارت في الفضاء كما الدخان.. والذي يبهرني في مهنة المحاماة.. هي تلك الطلاقة.. والإبانة.. والرصانة حديثاً.. هي تلك الجسور الممتدة بين المحامين وجماهير شعبهم.. هي تلك القنوات السالكة والتداخل حد التوحد والانصهار مع قضايا أمتهم.. هي تلك الروح السودانية.. وذاك التواضع الجم.. هي تلك المعرفة التامة بما يحيط بأمتهم من قضايا.. في كل ضربٍ، في كل منشطٍ، في كل ايقاع للحياة.. لا يتعالون أبداً على المجتمع.. يعرفون كما المواطنين.. كثيراً من أنشطتهم.. يمكن لهم في كل سرادق فرح أو عزاء.. الحديث و «الونسة» مع الناس إن كان الموضوع رياضياً، أو فنياً، أو سياسياً، أو ثقافياً.. أو حتى اجتماعياً.. من هنا جاءت رغبتي الجامحة والتي استشهدت على صخور وعتبات الظروف التي حجبت عني روعة ورصانة ومهابة «الروب الأسود». واليوم.. دعوني أرفع أو ادفع بجملة من الأسئلة.. والتي في رأيي تحمل قدراً من اللوم.. وكماً من العجب والاستغراب.. وقليلاً من الدهشة وكثيراً من الاستنكار.. وبما أنني أجهل مواد وقواعد وأصول مهنة القانون جهلي باللغة الصينية.. دعوني اسأل الأحبة المحامين.. وابدأ بالسؤال الأول.. هل هناك خط فاصل أو تعارض بين المهنية وواجباتها، والأخلاق وربح الذات، والانتصار إلى الضمير والسلام النفسي.. ثانياً: هل المحامي ملزم قانوناً أن يقدم العون القانوني بل المساندة والترافع عن أي مواطن التمس عوناً أوترافعاً.. مثلاً.. هل يمكن للمحامي أن يرفض الترافع عن مجرم ارتكب جريمة واعترف بها للمحامي، وطلب معاونته في المحاكم أمام القضاء.. وهل يمكن للمحامي أن يرفض الدفاع عن من اغتصب طفلاً.. وهل يمكن للمحامي أن يرفض الدفاع عن قاتل اعترف للمحامي بجريمته.. وفي المقابل.. إذا وافق المحامي على أن يترافع عن كل مرتكبي الأمثلة أعلاه.. كيف يكون موقعه من الأخلاق.. بل حتى موقعه من نفسه كإنسان، كامل الإنسانية بمعناها النبيل الشاسع.. وإذا رفض المحامي الترافع عن تهمة تتعارض مع قناعاته وأخلاقه.. هل يكون الرفض تعللاً بالمشغوليات، أم يكون صادقاً مع نفسه، ومع الذي طلب مساعدته القانونية، بحيث يخطره في كلمات محددة وقاطعة.. بأن يقول للمتهم.. عفواً.. أنا لأسباب تتعلق بقناعاتي.. لن اترافع عنك في تهم مثل تلك مطلقاً.. وحتى أجد إجابة من أي محامٍ تفك طلاسم حيرتي وتساؤلاتي، أقرر في صرامة وحديدية.. إني لو كنت محامياً وجاءني قاتل أومجرم يروع الآمنين أو مغتصب طفل.. لن اعتذر عن تقديم خدماتي له فحسب.. بل سأقول له في وجهه مباشرة.. أنا لا اترافع في مثل هذه القضايا.. مطلقاً.. و «شوف زول غيري».. متمادياً.. في القول «وتاني أوعك تجي مكتبي مرة أخرى».. يقول السيد المسيح.. «ماذا يفيد المرء لو ربح العالم كله وخسر نفسه..» نعم إن أفدح خسارة للإنسان هي أن يخسر نفسه، وإن أروع هدوء بال وسكينة.. هو أن ينسجم المرء مع نفسه.. وإنها خطيئة كبرى.. أن تبذل مجهوداً.. لتخفيف حكم على مجرم.. أو المساعدة في إفلات مجرم من العقاب..