وليتني كنت في مهارة صديقي.. وأستاذي.. و«ود حلتي» الدكتور زهير السراج.. فالرجل عندما يغضب.. أو يزهج.. أو يكره.. أو ُيكرًّه.. في السياسة.. لا يبخل على الشعب السوداني.. الصابر.. الحليم.. وإن كان حليماً إلى حين.. لا يبخل عليه.. بإهدائه.. وصفة سحرية.. غير مسبوقة.. عن كيفية إعداد.. «حلة بامية مفروكة».. وأنا الآن مثل صديقي.. زهير.. «زهجان» إلى حد التفكير في مغادرة هذه الدنيا.. والانتقال بارادتي.. وطوعاً واختياراً.. من ود نوباوي الجميلة.. الضاجة بالحياة.. إلى وحشة وسكون.. وهدوء.. وذاك الصمت الرهيب في «أحمد شرفي».. ولكني لست مثل الدكتور.. الذي.. يجيد في مهارة فن الطبخ.. عندما تكثر وتزحم الأفق.. «السواطة» وها أنا.. اليوم.. أغادر حقول السياسة.. وليتها مغادرة أبدية.. لأكون مثل ذاك الذي.. كان كلفاً.. مولعاً وشغوفاً.. «بالعوم» في النيل.. حتى أخبره الناس أن هناك «تمساحاً» عشارياً.. يتجول.. بل يتضرع.. فوق موجات النيل.. هنا هتف الرجل.. إني قد ضمرت للنيل هجراناً منذ قيل لي التمساح في النيل.. ودنيا السياسة ليست أقل خطراً ولا خطورة.. من «الأمازون».. ورغم الخوف من الأمازون.. فقد كنت أجد.. بهجة وروعة.. وأماناً.. واطمئناناً.. وأنا أمشي حافياً.. حالقاً وأحياناً متبتلاً خاشعاً على ضفافه العشبية الخضراء.. رغم الدغل.. والكواسر المتربصة خلف الشجر.. اليوم أهرب من السياسة.. ولأني.. «لا بعرف».. «أفرم خدره» ولا أفهم كيف «أفرك بامية».. ولا حتى لي أدنى مهارة.. في كيف «أكشن» بصلة.. فسأقفز على أقصر «حيطة».. «لأحلل» قروش صديقي أبو العزائم.. الذي.. يمنحني «بضع جنيهات».. هي تكفيني.. وترضيني.. شريطة أن أطل علي «شعبي» يوماتي.. ولو عرف «أبو العزائم» كم هي عواصف الفرح التي تعربد.. مسرورة.. ضاحكة عاصفة في صدري وأنا التقي بأحب شعب إلى روحي.. شعب السودان.. لو عرف كمية الفرح التي تجتاحني.. عندما أصافح.. وأقالد ابناء وطني عبر «شمس المشارق».. لطلب مني أن أكتب بالمجان.. فيكفي كثيراً.. ذاك الحب الذي يملأ كياني من أحبتي القراء.. وهو نعم المقابل.. وهو يكفيني ويرضيني.. واليوم أحدثكم عن بعض الأمثال.. السودانية المضروبة.. أو تلك التي لا «تركب» في رأسي ولا تصادف هوى في نفسي.. ونبدأ.. بالمثل الأول والذي يقول.. «أبعد من الشر وغنيلو».. وهذا لعمري مثل بائس.. يفيض.. خنوعاً.. وينضح جبناً ويمتليء.. لا مبالاة.. بل هو هروب جبان.. من موقف.. يحتاج رجالة وجسارة.. وقلب زي الحديد.. وأسأل.. المعجبين بهذا المثل.. لماذا أبعد عن الشر.. و«كمان أغني له» ومن ذا الذي يتصدى.. للشر.. ولماذا أترك الشر يزحم الفضاء.. ويتمدد في الطرقات.. وكيف تصفو الحياة.. أصلاً.. إذا تركنا الشر.. بيننا كائنا يمشي.. إن التصدي للشر.. هو فرض عين على كل مواطن ومواطنة.. وإن طرد الشر معناه حضوراً مهيباً ورهيباً.. بديعاً ورفيعاً للخير وكل معاني الخير.. وبعد ذلك.. الا ترون معي.. أن هذا المثل هو انهزامية وهروب.. جبان من أوجب واجبات المواطن؟.. إذن دعونا نشطب هذا المثل من قاموس حياتنا.. بل دعونا ننزعه انتزاعاً من أعماق «سحارة» حبوباتنا.. فقد استقر بغير وجه حق.. في باطن هذه «السحارة» زماناً وأزماناً.. دعونا.. نستبدله.. بمثل يناهضه تماماً.. يقابله حتماً.. ينسفه نسفاً ويسحقه سحقاً.. لننظف حياتنا من ذاك الخور والجبن الرعديد.. وليكن المثل.. هو «تصدي للشر.. وشمرلو واتحزملو».. وغداً مثل آخر..