علي مبارك: في القرن التاسع ظهر في سماء التأليف المصري، علي بك مبارك، الذي كان وزيراً للأوقاف والأشغال وللتعليم، وحمل لواء إدارة السكة الحديد، وافتتاح قناة السويس، ولكنه كتب عدة كتب يتألق بينها «الخطط التوفيقية» والكتاب من عشرين جزءاً، يتحدث عن أي شيء وعن كل شيء في مصر، البلاد والعباد، والتاريخ، والجغرافيا، والجوامع والكنائس، ومقياس النيل، وعيد الشهيد المسيحي المرتبط بمهرجان النيل، وكتابه دائرة معارف عن مصر، لا يوازيها سوى كتاب وصف مصر، الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية إلى مصر- ثمانية علماء- وصار موسوعة كبيرة في عدة أجزاء، ولقد أسعدني الحظ واهتمام أصدقائي العلماء بالحصول على مجموعة وصف مصر، ومجموعة الخطط التوفيقية، ويرجع الفضل في هذا لصديقي العالم المصري بروفيسور وفائي عازر بجامعة القاهرة، وأحاول قد الإمكان قراءة هذه الموسوعات، ولكن تحملني غيرة قلبي على السودان إلى السؤال عن عالم في قامة علي مبارك على إمتداد وطننا الكبير، ليكتب عن السودان بنفس منطلق علي مبارك، وأتوقع أن يظهر في الباحثين الجدد من يسد هذه الثغرة، وأذكر بكل فخر وإعتزاز جهود كثيرين من أبناء السودان، فلقد قدم بروفيسور عون الشريف: موسوعة القبائل والأنساب في السودان، وأشهر أسماء الأعلام والأماكن، وحرر الجزء الأول من الموسوعة في يوليو 1996م، وقد سلك في بحثه مسالك وعرة، لكنه قدم تراثاً عن السودان لكل أبناء السودان، هذا عدا كتابتين عن جغرافية وتاريخ السودان مثل كتاب نعوم شقير، ومجهودات بروفيسور يوسف فضل، وبروفيسور مكي شبيكة، وكثيرون غيرهم، حتي ولج هذا الباب شاعر من شعرائنا الكبار وهو مصطفي عوض الله بشارة، الذي قدم لنا شعر السودان على منصة التاريخ، فدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وقدم لنا تاريخاً أدبياً عن السودان. الطبعة الأولي: وقدم محمد الحسنين الذي قال عن نفسه أنه خادم تصحيح العلوم بدار الطباعة العامرة ببولاق بمصر، وكانت مقدمته بعد الدعاء والصلاة، نقشاً مقدساً طاهراً على صفحات التاريخ، وعلى الأخص تاريخ التوثيق في مصر، وبعد هذا يقول: أما بعد فإن الله جلت قدرته، ودقت حكمته، جعل أحوال الماضين عبرة الغابرين، وأخبار الأولين أدباً تتمكل به نفوس الآخرين، وطرائق السايقين مثالاً يحذو حذوه نبلاء اللاحقين، فعلم كل أناس مشربهم، ونهج كل قبيل مذهبهم، لهذا كان علم التاريخ من أرفع العلوم شأناً، وأرجحها ميزاناً، وأفسحها مجالاً، وأنفعها حالاً ومآلاً، فأكب النبلاء على تدوين أحوال أسلافهم، وذكر معاهدهم، ومنشأ إختلافهم وإئتلافهم.. وماقنعوا حتى بحثوا على مبدأ عالم الإنسان، فسطروا أحواله والعشائر، والفصائل والبطون والأفخاذ والعمائر. وفصّلوا أنواعه وأصنافه من عرب وعجم على تشعب فروعها وأصولها، وتوفرت لديهم الدواعي لشحن بطون الدفاتر بتفصيل مصطلحاتهم، وتحرير نقولها، وقيد علماء كل فريق ما أشرق الله على عقولهم من أنوار العلوم والمعارف، وانتفع من بعدهم بما أرزوه من غوامض الأسرار، التليد منها والطارف. واجتهد إثر ذلك جهابذة المتأخرين، فافتتحوا كنوز المعارف التي أشتد إخفاء مغالقها حذاق السابقين، فكشفوا هاتيك الأستار، وفتحوا خدور تلك الأفكار، وأبرزوا من حصونها مخذلات الأبكار، وأستنتجوا من أصولها غوامض فصول شذت عن أفكار سلفهم، واستحدثوا شوارد فروع ندت عن أفئدة أولئك، فانتفعوا بها في شئونهم، وكانت ثمرتهم لخلفهم، ليعلم أنه كم ترك الأول للآخر، وأن فضل الله على عباده لا يختص به سابقهم، بل هو علم الجميع ظاهر باهر، وأعتنوا أيضاً ببيان مساكنهم ومنازلهم، من المدن والقرى والبوادي والجبال، مواقعها من المعمورة وأبعادها وأطوالها وعروضها وميلها عن خط الأستواء على أتم حال، وأبانوا أديانهم وعباداتهم ومعبوداتهم، وسيرهم في أنفسهم ومع ملوكهم، ووقائعهم وحروبهم وعاداتهم... أحمد بن علي