نعود أيضاً ونقول إن انبثاق آلية هيكيلية إدارية لشؤون الناس لفعل مباشر قد تنامت منذ «ثلاثينيات» قرننا الحراكي هذا.. وهي ذؤابة الحكم النافذ.. والحضور الماثل في كل مفاصل الحياة.. إذ تباشر هي المجتمع من أسرته الصغيرة إلى كياناته المنتقاة، لأداء ومراقبة ما ينفع ويساير نمو الحياة هذه، فالحكم المحلي كما هو معلوم ومعايش للجميع هو إدارة وسياسة شأن المواطن على مستوياته «البينية» المسماة المحددة حسب التوادد السكاني، والموارد الاقتصادية، ورعاية البيئة والتنسيق المحكم مع الوزارات والهيئات، كلٌ في شأنه المعني، ولا ينبؤك مثل خبير.. وقديماً قالوا «أهل مكة أدرى بشعابها» وكأن القيادة العليا في المقتضى ذاته قد رمت إلى أن تقول «أرسل حكيماً ولا توحي» وعلى رأس القوم- كما تعلمون أنتم «المعتمد» أو «المحافظ» وتعلمون كذلك أن له نسيجاً تقضى عبره «الحوائج».. وتدار به «المتلازمات» ومن هنا تأتي حكمة أمير المؤمنين «عمر» كما ذكرت لكم يوماً.. حين سأل: أتعرفون فلاناً فإن قال أحدهم: نعم.. ألهبه بسوطين.. قائلاً: أسافرت معه؟ أو .. تعاملت معه في الدرهم والدينار؟.. فإن أجاب «لا» قال له «عمر» أنك لا تعرفه.. لعلك فقط رأيته يصلي معك بالمسجد.. فإذن شأن المسؤولية مسلك آخر يضاف إلى اعتدال المرء وصلواته وقيامه، فنحن حين شققنا فجاج الأرض.. ثم تذكرنا أننا أسندنا الموارد والتعاملات لأناس هنا.. وهنا.. وهناك.. تبينت لنا «المعادن» و«الشفافية» ولكن: من رعى غنماً في أرض مسبقةüü ونام عنها تولى رعيها الأسد.. فالموارد «أغنام» ترعى.. والقائم عليها ذو نفس تهفو وله حوائج وقضايا.. ورؤى لمستقبله.. تثير التساؤلات فإذن «الرقابة» و «المتابعة» أمر حتمي.. مع تقدم وسائل الشيطان وإغراءاته.. ولكنهم سودانيون فلا تتركوهم للرذاذ وللمطر.. فلكل ضال أوبة، ولكل مذنب توبة.. فنحن إذن أمام «حكمنا المحلي» الذي ينبغي أن يصعد، ونخطط لتفوق وتنمية البيئة كلها والإنسان.. ثم تترادف المحليات فتعطي «وزاراتنا» التخصصية وهيئاتنا التراكيب والأنسجة لصناعة الأوجه الاقتصادية.. والعمرانية.. والتربوية التعليمية والإستفادة من مباح الطاقة الشمسية.. ومعادن الأرض وهكذا.. وهكذا.. ومن هنا أيضاً لتتضافر الجهود والمواعين لنقاء ورقي البيئة التي تسمو بالمنجزات في المجالات كافة.. فإننا حين نسمي «محلية» أو «محافظة» أو «إدارية» أو «بلدية» فإنه يتحتم أن نراعي «سبعة»: هي أولاً: النسيج الهيكلي للمحلية.. حسب سماتها ومعطياتها.. ثانياً: الخطة المحكمة المناسبة.. حسب تحديات الواقع ورؤية المستقبل للمحلية المعنية..ثالثاً: تناغم القدرات الإدارية وشعور كل أنه ينظر بحدقات محليته.. رابعاً: التدريب المواكب.. بمعطيات الواقع وتحديات العصر.. خامساً: تنمية الموارد ومصادر الأمل.. واتقان المداخل.. سادساً: المراقبة المستمرة والقياس من أهل الذكر.. سابعاً:جلسات ومنتديات التقويم والتصويب بالخبرات من حين إلى حين.. وقد جلس بنا البروفيسور «محمود حسن أحمد» الأربعاء 23/2/2012م حول ورقة صاغها وصممها هو بنفسه، وهي عن «استراتيجية تنمية وتطوير الحكم المحلي» جلس بنا عليها بقاعة الشارقة-إحدى مفاصل جامعة الخرطوم- وكنا كلنا بمنتدى «ودعة» إذ التنمية في مدلولها المحلي التلقائي إنجاز «النمو» في شتى المجالات بالحكم المحلي إلا أنه يبقى لازماً أن يطور-أي يواكب- مقتضيات كل مرحلة.. والشريعة تقول «رحم الله أمرءً عرف زمانه فاستقامت طريقته».. والاستراتيجية بمعناها القريب جداً نماثلها بجلسة الشاب «معاذ بن جبل» الذي قال لصاحبه: إجلس بنا نؤمن ساعة- أي بعد التروي في تقوية وتمتين الإيمان بالجنان ودواخل النفس- ثم أين نحن الآن.. وكم عبرنا وإلى أين.. وأورد البروفيسور محمود حسن أحمد ركائز ومتوازيات عن الحكم المحلي، وأنه-أي الحكم- يحتاج إلى إعادة قراءة ومراجعات بين المحليات والرئاسات.. وصياغة القانون الذي يعطي كل ذي حق حقه.. ويعطي الممارسة شكلها النافذ المؤدي إلى يسر الأداء الهيكلي.. وشعور المواطن بسماحة التنفيذ ويزيل كثيراً من التشوهات البيئية التي أوردها «البروف» بالصورة والتعليق، وهي واقع يعايشه البشر.. ثم أتيحت المداخلات والتعقيب والمشاركات.. خاصة وأن أمر الحكم المحلي مصطلحات عالمية نجدها في أعرق الدول مثل «عمدة» واشنطنالأمريكية.. وعمدة «باريس» الفرنسية وبرلين وغير ذلك.. فعلى هذه الاهتمامات بدأ القوم الحضور تعقيباتهم ومداخلاتهم المفيدة على ورقة «البروف» ولا أريد تفصيلاتها -أي المداخلات- حيث بدأها د. الهادي عبد الصمد، ممتناً بحديث البروفيسور وذاكراً تجربته هو كتنفيذي محلي وصاحب خبرة تراكمية.. أعقبه د. إبراهيم أبو عوف، متسائلاً عن.. قانون الحكم المحلي وتطبيقاته ثم تساءل وعلق آخرون. وأخريات تعاقبوا على المنصة.. وهم يرون أن هذا الجمع الذي شهد هذه «الورقة» هم من ذوي الخبرة والدراية بالحكم المحلي، وكان يزيدها ألقاً وانتشاراً لأهميتها أن يشهدها آخرون ممن يهمهم هذا الشأن، وهم يتناولون الأمر من زواياهم هم.. وكثيرون رأوا أن تأخذ هذه الورقة بهذه الملاحظات من المداخلات والتعقيبات، ثم يصدر بها «كتيب» يكون في متناول القارئ المسؤول والحادب على قوة وأداء «الحكم المحلي» لأنه الفاصلة الداخلية للحكم التي تنطلق منها وعبرها الخدمات المباشرة للمواطن.. وهي الجدول الذي يعبر خلاله الماء النقي النظيف للمجتمعات.. والحكم المحلي هو العين الساهرة المجتمعية التي تمد الآخرين إن قيل «لحذيفة».. خذل عنا أو قيل للمجتمع.. وهو أنتم «من رأى منكم منكراً..». والله أكبر