إن من شأن التحركات الدبلوماسية الأخيرة للمغرب والجزائر المتمثلة في تبادل الزيارات سواء بين وزيري خارجية البلدين أو وزيري الطاقة والمعادن أن تعطي صورة جديدة لتطبيع العلاقات بين البلدين، خاصة وأن طبيعة العلاقة بينهما تعتبر قضية مركزية وأساسية لتفعيل اتحاد المغرب العربي، وتشكل الدورة 30 لاجتماع وزراء خارجية اتحاد المغرب العربي محطة مهمة لانطلاق اتحاد المغرب العربي ومؤشراً لاختبار حسن النوايا المعبر عنها ومعرفة إن كانت سترتبط بالأفعال سواء من خلال تفعيل اللجان أو اتخاذ مبادرات شجاعة بخصوص التبادل الحر والسير قدماً نحو تأسيس السوق المغاربية المشتركة وفتح الحدود ويتعين الآن بلورة مواقف مؤيدة لتجنب النزاعات الثنائية خاصة النزاع حول الوحدة الترابية للمغرب الذي كان من بين الأسباب الرئيسية لإعاقة العلاقات المغربية الجزائرية، ويشكل فتح الحدود بين المغرب والجزائر في رأي الكثير من المراقبين خطوة أولى ضرورية للتطبيع بين الجارين والذهاب في اتجاه إحياء مغرب عربي مندمج قوي ومنفتح يسوده جو من الثقة ونية صادقة للعمل المشترك،ولئن كانت الجزائر قد أبدت طيلة السنوات الماضية عبر تصريحات مختلفة لمسؤوليها انها لاتمانع في فتح الحدود فانها ظلت تعلق ذلك الفتح على شرط اعتراف المغرب بالشرعية الدولية في ملف الصحراء من خلال ما تسميه تقرير مصير الشعب الصحراوي على شرط التزام التعاون مع الجزائر على محاربة التهريب والمخدرات ومراقبة الحدود أمنياً.. إن زيارة العثماني إلى الجزائر وإن كانت مهمة من الناحية النفسية إذ كسرت الحواجز التي أقامها النزاع بين البلدين، إلا أنها تشير إلى أن توتر العلاقات المغربية الجزائرية بعد الاستقلال والتصورات النمطية التي تختزنها ذاكرة السلطة بالبلدين تقتضي وجود أدوات جديد ة للتعامل والتوافق في البلدين وفي إطار المقاربة الجديدة التي اعتمدتها الدبلوماسية المغربية خلال العشر سنوات الأخيرة في التعامل مع ملف علاقات المغرب مع أفريقيا. زار وزير الشؤون الخارجية سعد الدين العثماني العاصمة الأثيوبية اديس ابابا التي تحتضن القمة 18 للاتحاد الافريقي، وأجرى الوزير لقاءات مع نظرائه في عدد من الدول الافريقية للتباحث معهم حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتطورات ملف الصحراء بالرغم من أن الرباط قررت في نهاية 1984 الانسحاب من هذا التجمع القاري لاعترافه بالجمهورية الوهمية التي أطلقت عليها الجزائر اسم «الجمهورية الصحراوية» وقد اعتمد وزير الشؤون الخارجية المغربي سعد الدين العثمان استراتيجية جديدة في التعاون مع القضايا التي يطرحها الاتحاد الافريقي تمثلت في الانتقال شخصياً لحضور أعمال القمة الافريقية التي تحتضنها أديس أبابا عاصمة اثيوبيا في غياب القذافي الذي كان المحتضن الرئيسي للاتحاد، ويشارك في القمة أقطاب وزعماء ورؤساء بلدان افريقية بمن فيها رؤساء دول موجودة على الورق فقط كما هو حال زعيم البوليساريو الذي يبدو انه لم يتوقع هذا الانزال الدبلوماسي المغربي خاصة أن التقارير الواردة من العاصمة الاثيوبية تقول إن العثماني يقوم بنشاط مكثف من خلال الاجتماعات التي يعقدها مع رؤساء وقادة بلدان تشارك في القمة غير بعيد عن اقامة زعيم البوليساريو ونجح وزير الخارجية المغربي بوجوده في اديس ابابا عقد اجتماعات مع قادة كل من اثيوبيا والكنغو وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو وكينيا وجيبوتي وهي الاجتماعات التي وصفت بالمثمرة وقالت مصادر مطلعة إن وجود العثماني في أديس أبابا يشكل إشارة على أن المغرب مستعد للعودة إلى هذا التجمع الافريقي استجابة لطلب العديد من الدول التي تضغط في هذا الاتجاه بدليل ما قاله الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في افتتاح القمة من أن الاتحاد لايمكنه الاستغناء عن بلد مثل المغرب واستطاع الوزير المغربي لعب دور اساسي في هذا الاختيار لأنه يعرف وقع الصدمة والارتباك الذي تحدثه الزيارة خاصة أن المغرب ظل على مدار ثلاثة عقود غائباً عن المحيط الذي تدور فيه اجتماعا منظمة الوحدة الافريقية قبل أن تتحول التسمية الى الاتحاد الافريقي بعدما انسحب منها بقرار من الملك الراحل الحسن الثاني على خلفية اعتراف بعض الدول الأعضاء بالبوليساريو بدعم من الجزائر وليبيا. ومع تنصيب حكومة الإسلاميين التي يترأسها عبد الإله بن كيران استشعر المغرب كثيراً أهمية العلاقات الخارجية لخدمة ما هو داخلي ويبدو أن الزيارات التي قام بها سعد الدين العثماني وزير الشؤون والتعاون المغربي في الحكومة الجديدة إلى كل من الجزائر وتونس وفي وقت لاحق إلى أديس ابابا أعادت إلى الواجهة الأدوار التي من المفترض ان يضطلع بها المغرب على المستوى العربي والافريقي. إن زيارات سعد الدين العثماني إلى هذه الأقطار فُهمت من لدن بعض المتتبعين بان المغرب ما فتئ يبني سياسته الخارجية على الانفتاح أكثر على البلدان العربية في ظل متغيرات جديدة تتمثل في المقام الأول في سقوط أنظمة كثيرة وكذا مع البلدان الافريقية التي انسحب المغرب من منظمتها منذ الثمانينيات من القرن الماضي عقب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية. من خلال ما تقدم نستنتج أن الدبلوماسية المغربية ومهندسيها في المملكة المغربية الشقيقة تشهد تحولات عميقة ستكون لها انعكاسات ايجابية على مجمل المشهد السياسي المغربي في السنوات القادمة ولعل رؤية السيد سعد الدين العثماني الثاقبة مسلحا بتوجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس الصلبة والبعيدة النظر ستعزز موقع المغرب الدولي خاصة في عمقه العربي والأفريقي كي يكون فاعلاً في الساحة الدولية من خلال وزنه الإستراتيجي واشاعه الحضاري التاريخي.