يا سعادتك .. والله منذ أن نشر بالدار وبالخط العريض اغتصاب ضابط شرطة لطفل وأنا مصدوم وخجلان من الجريمة وطريقة النشر.. فهلا من مقال مسكن لجرحنا.. تلقيت هذه الرسالة الصادرة التي تقطر دماً.. ألماً وحزناً وأسى على فعل بشع كان قد وقع من ضابط فالت.. فاسد في نفسه... مفسد لغيره.. أتت به ظروف لا دخل لأحد من شرفاء الشرطة بها لينتمي اسماً لهذه القبيلة الخير أهلها. كانت تلكم كلمات الرسالة الموجزة التي تلقيتها من سيادة العقيد يوسف مزكي من شرطة ولاية الخرطوم، حيث قمت بالاتصال بسيادته ووجدت أن ما جاء بالرسالة أهون بكثير مما يحسه ويعيشه سعادته في هذه الأيام.. (والله يا سعادتك أنا ما عارف صليت الصبح كيف.. والله الصلاة كلها أنا سارح وما حسيت إلا لما الجماعة قالوا السلام عليكم.. السلام عليكم).. هذه هي نوعية الانتماء والإحساس بالولاء لقبيلة الشرطة التي لن نكل ولن نمل من الحديث عنها.. وهذا هو المثال الجميل لضابط الشرطة القوي الأمين.. ولقد ذهبت في ذات الصباح إلى رئاسة الشرطة لمقابلة الأخ اللواء البطل خضر المبارك، حيث انتظرته بمكتب العميد صلاح محمد الحسن عبد الحميد والذي كان لا يقل حزناً وأسى عن زميله العقيد يوسف مزكي، ولقد كان الحال في رئاسة الشرطة أشبه بالمأتم جراء تلك الفعلة الشنيعة ولكن ماذا نفعل إزاء هذا الحب الشفيف من هؤلاء الشرفاء لهذه المهنة، حيث تداعوا أجمعين على مواساة أنفسهم بالصمت المطبق والحزن العميق ونقول لهم لا تثريب عليكم إخواننا الشرفاء والأمناء في قوات الشرطة ودعونا نتذكر أيام كانت صحيفة الدار تكتب عن ذلك الطبيب الذي كان قد خرق الضوابط الأخلاقية لمهنة الطب.. فهل شعر أي منا بأن ذلك الفعل قد قلل من قدر بقية الأطباء.. وهل جعلنا ذلك الفعل المنبوذ ننسى للأطباء فضلهم على مجتمعنا ورعايتهم لنا بالعلاج والتضحية بوقتهم على حساب أسرهم وعلى حساب صمتهم.. كذلك الحال بالنسبة لمنسوبي الشرطة من ضباط وأفراد وموظفين مدنيين، فإن السلوك الخاطيء أو المشين من ضابط أو فرد من أفراد الشرطة لا يجعلنا نطلي البقية الباقية منهم بذات الفرشاة وبذات الطلاء الأسود.. فرجال الشرطة ونساؤها بشر.. وهموا ليسوا بمعصومين من الخطأ.. ولكن ليس من العدل في حقهم أن نجعل فعلاً ساقطاً من أحدهم معياراً للحكم عليهم أجمعين.. لن أتحدث عن الشرطة وعن ما تقدمه أو تقوم به.. فهو أمر واضح وضوح الشمس ولا يخفى على أحد إلا لعين بها رمد.. ولكنني سأتطرق لموضوع نشر المثالب التي تقع من منسوبي الشرطة ولا غضاضة في نشر أي فعل خاطيء من أي شرطي، لأن في ذلك شفافية مطلوبة شريطة أن ينشر اسم المخطيء مثله مثل أي مواطن أخطأ أو أجرم ولكن ربط الصفة الشرطية بمثل تلك الأفعال أمر غير مرغوب، لأنه يستغفل الانتباه ويلفته لجهة لا صلة لها بالأمر.. والسؤال عندي لبعض الإخوة الصحفيين.. لماذا تكتبون الصفة الشرطية للمتهمين أو المدانين بينما يشار للآخرين في مثل تلك الحالات (بضابط أو جندي بالقوات النظامية).. لماذا لا تكون لديكم الشجاعة لكتابة (ضابط أمن أو ضابط جيش مثلاً).. ولنأخذ مثالاً آخر لماذا تكتبون بالخط (الشرطة تقتحم داخليات جامعة الخرطوم) وكأن الشرطة لوحدها وبمزاجها الشخصي قد قامت بذلك الاقتحام، وكيف كان سيكون الأمر لو أن الصحفي المعني كتب الآتي (إدارة جامعة الخرطوم تعطي الإذن لقوات الشرطة لتفريغ الداخليات).. مثلاً إن صياغة الأخبار عن الشرطة بتلك الكيفية يأخذ من رصيد الشرطة لدى المواطن، وربما ينتهي بالأمر إلى ما انتهت إليه الشرطة التي لا يوجد أي حب أو ود بينها وبين الشعب.. ويكفي أن والدة رائد شرطة مصري قد صرحت في التلفزيون أن ابنها حبيس البيت لأنه لا يستطيع الخروج للشارع خوفاً من اعتداء الناس عليه، لذا نرجو من الإخوة الصحفيين اختيار الصيغ المناسبة للشرطة وأن يعاملوا أخبارها بالنشر الإيجابي وليس الهدام ولا تجعلوا منها حيطتكم القصيرة. وعن تداعيات وآثار نشر مثالب أفراد الشرطة من جانب آخر.. لماذا نستحي من نشرها.. ولماذا نخجل من عرضها.. إذا قام رجل من حي السجانة على سبيل المثال بقتل آخر، فهل يعني ذلك أن كل أهل السجانة قتلة.. وإذا ما اختلس موظف بنك مبلغاً من مال، فهل يعني ذلك أن كل (البانكرز) مختلسون!! وإذا ما لاط معلم بتلميذه، فهل يعني ذلك أن كل المعلمين كذلك.. كلا ثم كلا.. نعم علينا أن نتألم ونحزن لفساد أحدنا لأنه محسوب علينا ولكن ليس لنا أن نخجل أو نستحي من فعلة مخطيء- فلا يجرمنّ شرفاءنا شنآن شرطي عن القيام بواجبهم، فكل شاة معلقة من عصباتها. المسافة بين العقيد يوسف مزكي والعميد صلاح محمد الحسن عبد الحميد وأمثالهما من الشرفاء من ضباط الشرطة.. وبين الضابط المغتصب.. مسافة بعيدة تقاس بملايين السنوات الضوئية، وهم الذين نعول عليهم في المضي بالعمل الشرطي قدماً تأميناً للمواطن، حماية لممتلكاته وتأكيداً لسلامة المجتمع ككل.. فمسيرة الشرطة لا يوقفها فساد ضابط أو خطأ جندي.. لأن الحياة كما هي على الدوام صراع بين الخير والشر، وهو صراع أبدي ستدور رحاه إلى يوم يبعثون، وفي الشرطة كذلك سيستمر صراع الخير والشر.. والخير دائم الانتصار في أوساط الشرطة بإذن الله. وأقول لأخوتي قادة الشرطة ولأحبتي ضباط وأفراد الشرطة.. هونوا عليكم.. أرخوا الياي شوية.. كما يقولون في تعليم السلاح.. فما حدث من ذلك الضابط شيء من طبيعته (جابيهو من بيتو).. يعني ما اتعلموا في الشرطة.. وهو شيء باهت ضد قيمكم وتعاليمكم وأخلاقكم .. ولكن فيه خير لكم.. لأن الضد يظهر حسنة الضد.. ولأنه يجعلكم تواصلون العمل على أعلى المستويات للتمسك بالأداء الراقي والأخلاق العالية.. ويا جبل ما يهزك ريح.. وهل يقوم المواطن أو القاريء بالحكم على مجموعة بجريرة فرد.. كلا ثم كلا.. لأن المواطن واعٍٍٍٍ.. والقاريء واعٍ.. وهما قادران على التمييز والفصل بين الأشياء.. والكل يعلم أن العمل الطيب في الشرطة موجود.. والأداء الرائع في الشرطة موجود.. وكذلك التضحية.. والأمانة ونكران الذات وغيرها من الصفات الجميلة موجودة في الشرطة، فهل يعقل أن يغطي فعل واحد مشين على هذا الزخم الجميل من الصفات، كلا ثم كلا.. إذن ماذا علينا في مثل هذه الأحوال.. علينا كشرطة أن نقتنع بأن فينا الصالح وفينا الطالح ما دمنا مجموعة من البشر، وعلينا أن نتعامل بموضوعية في مثل هذه الأحوال وأن لا نكون حساسين بأكثر مما يلزم، علينا أن نكون في حالة تقييم وتقويم مستمر.. علينا مراجعة عمليات اختيار المنسوبين.. كيفياتها ومعاييرها.. علينا تفعيل آليات المراقبة بالصورة المثلى وعلى رأسها الصحافة والأجهزة الشرطية نفسها.. ونحن نعلم تمام العلم أن رئاسة الشرطة لا تحمي أياً من منسوبيها من المحاسبة، فالكل يلقى جزاءه الأوفى.. علينا أن نقوم بعقد ورشة عمل كبرى تناول موضوع (مثالب الشرطة.. الأسباب والوقاية).. ورشة يشارك فيها كل المهتمين بأمر الشرطة من ضباط في الخدمة وبالمعاش ومن القضاة والمحامين والصحفيين.. الخ. لن يتوقف الفساد في أي شرطة في العالم حتى نأتي بملائكة من السماء يقومون بعمل الشرطة ولكننا يمكننا كشف الفساد ونشره ليتعظ الآخرون.. ويمكننا محاصرة الفساد بحيث لا يتمدد في أوساط الشرطة سرطاناً يأكلها من الداخل، وغولاً مخيفاً يهدد مستقبلها، وذلك بتحسين مرتبات الشرطة وهذه مسؤولية الدولة- فلا يعقل أن يكون مرتب الضابط الصغير لا يتجاوز الأربعمائة جنيه ويكون مسؤولاً عن حماية المليارات.. ما لكم كيف تحكمون. وكذلك علينا مواجهة فساد وأخطاء بعض منسوبي الشرطة بواقعية وشفافية تساعدنا ولا تحبطنا.. تقوينا ولا تهزمنا.. وعلينا أن نفهم أن العلاقة بين الشرطة والشعب علاقة لا تزال متينة حتى الآن رغم تكالب الأزمات على الشرطة في الآونة الأخيرة.. إلا أن عرى هذه العلاقة لم ينفصم بعد ولن ينفصم بإذن تعالى ما دام على قيادة الشرطة رجال عايشناهم وعرفناهم وخبرناهم عن قرب، ولا شك أن هذا الأمر من أولى أولياتهم ولا يمكن أن يفلت من بين أيديهم ولا يغيب عن ناظرهم.