تحتفظ ذاكرة الإدارة الأهلية فى غرب كردفان بقصة مفادها، أنه عند زيارة الرئيس الاسبق الراحل جعفر نميرى الى مدينة المجلد فى مطلع يوليو 1971 برفقة المقدم هاشم العطا هتف «شباب الثورة» من اليسار «تسقط تسقط الإدارة الأهلية.. تسقط تسقط الرجعية.. ثورتنا تقدمية» مما أثار ذلك غضب «النظار»، فوقف الراحل الناظر آدم يوسف أمام النميرى مخاطباً إياه.. «السيد الرئيس نحنا الإدارة الأهلية ونحنا معاك.. ما طمعانين فى السلطة أو الكرسي، ما تخاف مننا.. لكن خاف من القاعد جنبك- كان يشير الى هاشم العطا- ومن البهتفو ديل، ولكن النميري لم يأخذ بنصيحة الناظر، وبدأ في تنفيذ قراره «العجيب» الخاص بتحجيم الإدارة الأهلية ظناً منه أنها تسلب سلطاته، وإنه وفي ذات الشهر نفذ هاشم العطا انقلابه المشهور. هذه القصة تصلح قراءتها هذه الأيام... إذ إن بعض القرارات بحاجة الى «مراجعة» لأن الدراسة حولها تمت على عجل. خاصة بعد أن شهدت باحة مستشفى العيون «التاريخى» وقفة احتجاجية السبت الماضي ضد تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم (323) لسنة 2011م، وهو قرار تم بناءً على توصيات لجان مهمتها إعادة هيكلة وتخطيط العاصمة، لتضاهي عواصم العالم الأخرى فالمستشفى الذي يحمل اسم البطل عبدالفضيل الماظ «لأنه أصيب في مكانه أثناء نضاله ضد الانجليز في 1924 ) يعتبر «المرجع» الوحيد ولا تملك الحكومة مستشفى مثله في الخرطوم.. لأن بقية المستشفيات المتخصصة في هذا المجال تتبع لمنظمات خيرية.. ماذا يضير الحكومة لو راجعت قرار بيع المستشفى، وقامت بتطويره «لا تدميره» لأن القيمة المادية التي ستحصل عليها من عملية البيع لن تتمكن الجهات المعنية من تشييد مستشفى جديد للعيون، وفي مكان يستطيع المرضى الوصول اليه من كافة أطراف الولاية. لم تتقدم الجهات التي تدفع بقوة لتنفيذ قرار «اخراج» الحكومة من «منازلها» والتخلص من «ممتلكاتها» اي دفوعات مقنعة سوى أنها تريد استثمار المباني المطلة على «شارع النيل» مختزلة بذلك «النيل الأزرق» فى عدة كيلو مترات، تاركة مساحات استثمارية شاسعة على ضفاف النيلين-الأبيض والأزرق- لأن سياسة بيع الأراضي للاستثمار المعماري لا تساهم بشكل أفضل في الاستثمار الزراعى، والصناعى، والانتاج الحيوانى،لأنه ببساطة يجعل الدولة تعتمد على عائدات الرسوم والضرائب من هذه المباني.. ثم أن الاستثمارات في مجال البناء تدور حوله الكثير من التساؤلات.. إذ إن العديد من المستثمرين الأجانب حصلوا على أراضٍ في مواقع استراتيجية، ولكنهم لم ينفذوا مشروعاتهم حتى الآن، إذ اكتفوا بعمل تلال الرمال فقط.. كان من الأجدى للحكومة أن تترك مؤسساتها الحالية، وتبيع أراضيها في مواقع أخرى مطلة على شارع النيل، وأن تلقي نظرة على مناطق استراتيجية أصبحت الآن في قلب العاصمة، وتستخدم في مشروعات ليست ذات جدوى... لأن سياسة التخلص من «المواقع» سيجعل مؤسسات الدولة «في يوماً ما» تسكن في «بيوت إيجار».