بعد عودة وزارة الخارجية لاحضان المؤتمر الوطني بانفصال الجنوب.. «تراوحت» توقعات المراقبين ان تؤول اهم حقيبة وزارية للطبيب مصطفى عثمان ليوقع على وصفات علاجية لسودان ما بعد الجنوب او صعود د. غازي صلاح الدين المفكر والمثقف القادر على الوصول للنقطة صفر في الحوار مع الآخر.. ولكن المفاجأة التي اذهلت الكثيرين اختيار القيادة السياسية للاستاذ علي كرتي.. لا لضعف قدرات او همة ولكنه رجل ملفات اقرب «للعسكر» من المدنيين.. حشد كرتي في سنوات صيف العبور المقاتلين في فناء ادارة الدفاع الشعبي وتصدى لقيادة انقلاب الرابع من رمضان واطاح بشيخه «الترابي» بعيداً عن مسرح الفعل وصعد نجم علي كرتي قريباً من البشير.. بعيداً عن الاضواء والاعلام صاحب نفوذ واسع في الدولة.. صامت حد الغموض لكنه لبق جداً درس القانون في «الجامعة» وحينما تذكر الجامعة في سبعينيات القرن الماضي فأي جامعة غير «الخرطوم»... في العاصمة القطرية الدوحة حيث تتيح مرافقة الصحفي لكبار رجالات الدولة فرصاً للحوار المباشر طلبت من الوزير علي كرتي حديثاً ولم يبد ممانعة او يصطنع الاهمية.. كان صادقاً حينما قال في طريق عودتنا قد نتحدث اليك! لاكثر من ساعة.. اجاب وزير الخارجية على الاسئلة التي وضعتها امامه لم «يعتذر» عن كشط كلمة سقطت سهواً من الشريط ولم يحدثني عن اشياء ليست للنشر.. تبدت امامي صورة رجل دولة يتحدث بدقة وصدق مع النفس فماذا قال.. نمو وتطور العلاقات السودانية القطرية يعتبره البعض على حساب علاقات اخرى في المنطقة العربية والاسلامية؟ - بالتأكيد المقصود هنا السعودية.. هذا غير صحيح السودان يحتفظ بعلاقات جيدة جداً مع السعودية وقطر وبقية بلدان الخليج ليست بالضرورة ان نكون اصدقاء لدولة واعداء لأخرى!.. السعودية لها علاقات جيدة بقطر بالامس كان امير قطر في الرياض وهناك تشاور مستمر.. صحيح في فترة سابقة حدثت جفوة ولكن تم تجاوزها وبدأ التعاون بين قطر والسعودية والسودان لا يتدخل في شؤون اصدقائه ولكنه يدعم خطوات التقارب بين الدولتين.. علاقتنا بالسعودية جيدة جداً وعلاقتنا بقطر ايضاً جيدة جداً الذي حدث قطر تولت ملف دارفور بطلب من الجامعة العربية وحتى قبل ملف دارفور كان هناك توجه للقيادة القطرية للتعاون مع السودان في مجالات التعاون الاقتصادي وهناك تعاون في مجال النهضة العمرانية بالخرطوم والاستثمار.. نعتقد ان استضافة قطر لمفاوضات دارفور في الدوحة زادت وعمقت الصلات وبسبب هذه المفاوضات كانت هناك ضرورة لتواصل مستمر بين القيادة في البلدين والزيارات المتعددة لعدد من المسؤولين في البلدين القطريين في الخرطوم والسودانيين في الدوحة الشيء الذي ادى لزخم في العلاقة.. الوضع الطبيعي اذا كان هناك مسؤول قطري له علاقة بملف مثل دارفور يقتضي ذلك زيارات للسودان وحتى لاقليم دارفور للتعرف على القضية والتشاور على البدائل في الحلول.. مع كل الاطراف سواء كانت حكومة او حركات مسلحة في وقت التفاوض.. ولم ينتهي ذلك بعد.. حتى الان هناك ضرورة لزيارات كثيرة لمسؤولين قطريين للسودان ولدارفور للتشاور حول كيفية تنفيذ وثيقة دارفور وهذا ما يجري الان.. السودان ايضاً في حاجة للتشاور مع القطريين لذلك عدد كبير من المسؤولين السودانيين يزورون قطر.. قطر دولة مفتاحية للغرب في المنطقة ورغم العلاقات الوثيقة والمتطورة بين الدوحةوالخرطوم الا ان ذلك لم يؤدي لفتح ثغرة في الحائط المسدود بين السودان والولاياتالمتحدةالامريكية؟ - اولاً كان هناك ضرورة لقيام قطر بدور يساعد في تخفيف حدة التوتر بين السودان والولاياتالمتحدةالامريكية واستغلال الولاياتالمتحدة منبر مجلس الامن للضغط على السودان وهذا ما حدث.. قطر قبل سنوات تولت رئاسة مجلس الامن وكانت عضواً في المجلس لمدة عام كامل هذه الرئاسة والعضوية ادت للنجاح في تخفيف كثير جداً من القرارات التي كانت الولاياتالمتحدة تصر على اصدارها ضد حكومة السودان.. ثانياً الان قطر ترأس الجمعية العامة للامم المتحدة وقد استطاعت قطر ان تخفف عنا غلواء الضغوط الغربيةوالولاياتالمتحدة بصفة خاصة.. بعض المسؤولين القطريين حاولوا لتخفيف كثير من التوتر مع واشنطن لكن الولاياتالمتحدة غير راغبة في اصلاح العلاقات هناك اسباب داخلية في امريكا لا علاقة لها بعلاقة امريكا مع قطر تجعل الامريكان يمارسون الضغوط علينا.. نحن نأمل ان تتكمن قطر في المستقبل بعد تنفيذ اتفاقية دارفور و«تنفرج» بعض القضايا الخلافية الشائكة بين السودان وجنوب السودان.. اعتقد ان قطر يمكنها لعب دور بعد ذلك.. ولكن فترة الحملات الانتخابية الامريكية ليست مناسبة للدخول في تسويات مع امريكا في تقديري لن تشهد العلاقة السودانية الامريكية اية تحسن في بقية العام الحالي ولا تستطيع قطر او غيرها ان تزحزح امريكا التي يتبارى ساستها في اظهار مواقفهم العدائية ضد السودان لاغراض الكسب الانتخابي.. انت تعترف اخي الوزير بأن السودان وقضاياه اصبحا جزءاً من معادلات السياسات والمواقف الانتخابية الامريكية الداخلية الا يمثل ذلك نقطة سالبة جداً؟ - هذا ما يحدث.. نحن نتعامل مع الواقع كما هو وهذا يؤثر في الانتخابات الجميع في الولاياتالمتحدة يتسابق لكسب ود مجموعات ضغط تعمل ضد السودان ومجموعات «تمويل» تعمل ضد السودان وآليات اعلامية ولوبي صهيوني ايضاً يعمل ضد السودان بكل اسف هذه المكونات جميعاً هي التي يحتاجها المرشح الامريكي سواء كان لرئاسة الولاياتالمتحدة او عضوية في الكونغرس الامريكي.. وهذا هو المكون الذي يخطب المرشح وده حتى يفوز بأصوات الناخبين المرشحين يدغدغون عواطف مجموعات الضغط ويحصلون على دعمها.. لماذا هذه المجموعات ضد السودان تحديداً وماذا يمثل لهم؟ - لان هذه المجموعات بكل اسف مسيطرة جداً على الاعلام واغلبها من اليهود واللوبي الصهيوني وهؤلاء لهم مواقف عقدية وفكرية تاريخية معروفة في العداء لاية دولة ذات توجهات فكرية اسلامية.. ومجموعات الضغط التي تعمل ضدنا في الولاياتالمتحدة «مسيسة» بصورة سالبة جداً وعلى كل حال حتى لو اعتبرنا الاسلام مكوناً اساسياً في سياسات عدد من دول المنطقة الا ان الاسلام في السودان هو اسلام استقلال قرار ويرتبط ليس بالقرار السيادي فحسب وهذا مهم ولكنه يرتبط بالاستقلال في القرار الاقتصادي والسودان لم يقبل الضغوط الامريكية واغلق باب التعاون مع الولاياتالمتحدة بعد توقف الشركات الامريكية التي كانت تنقب عن البترول وتم فتح ابواب التعاون مع دول الشرق. هل الحكومة تمانع من دخول الشركات الامريكية في مجال النفط في السودان؟ - امريكا هي التي سحبت شركاتها.. بل هي مارست الضغوط على الشركات الكندية والماليزية في بعض الاحيان للانسحاب من السودان.. والان يجري الضغط الهائل على الشركات الصينية منذ فترة عمليات الحفر والتنقيب وحتى اليوم بعد انفصال الجنوب ما يجري من مشاكل بين السودان وجنوب السودان هو في حقيقته رسالة امريكية موجهة في الاساس للشركات الصينية والماليزية التي احتلت مكانة الشركات الامريكية في ظنهم وتقديرهم. هل اصبح السودان الان مسرحاً لصراع بين الشرق والغرب لرأس المال والمصالح؟ - طبعاً هي الحقيقة اصبحنا جهات دولية تتصارع من اجل مصالح وهذا قدرنا نواجهه ولا نهرب منه نحن.. اما ان نرتمي في احضان الولاياتالمتحدة ونقبل بكل ما تريده واما ان نمضي في استقلالية قرارنا وهذا ما حدث.. استقلال القرار له ثمن معروف وهو مقدم لتأكيد استقلالية القرار.. ونحن احرار في استقلال مواردنا ولن نساوم في ذلك. كيف دخل عضو الكونغرس الامريكي لجنوب كردفان مؤخراً؟ - المنطقة حدودية وهناك اشتباكات عسكرية بين السودان وجنوب السودان وتوحد حركة لقوات التمرد والمنطقة حتى الان لم تفرز الفرز الذي يؤكد الحدود لذلك يسهل لاية شخص ان يتسلل بسيارة بها عدد من المتمردين او تسير على الارض.. لولا ان العضو الامريكي تباهى بدخول السودان من غير موافقته قد لا نعلم عنه شيئاً للأسباب التي ذكرتها وبسبب عدم تمييز الحدود ووعورة المنطقة ووجود الاشتباكات سبباً في التمهيد لدخوله الاراضي السودانية. لماذا اقدم عضو الكونغرس الامريكي على الخطوة في تقديرك؟ - امريكا الان كل مرشح يسعى لتقديم نفسه للناخبين وتقديم حزبه ايضاً للناخبين ويتباهى الجميع بعدائهم للسودان وذلك معروف منذ القدم وعضو الكونغرس سعى لزيادة النار اشتعالاً بين السودان وجنوب السودان. دخل بطائرة ام بالسيارات؟ - لا اعتقد انه دخل جنوب كردفان بطائرة هو تسلل من الجنوب. الذي ينظر لملف التفاوض مع دولة الجنوب لا يرى وجوداً لوزارة الخارجية كما هي العادة في مثل هذه المفاوضات.. الانطباع الذي عند المراقب ان المفاوضات مع دولة الجنوب كأنها مفاوضات دولة واحدة وزارة مقابل وزارة.. لماذا تغيب الخارجية عن مسرح المفاوضات؟ - في اجواء مكفهرة كالتي نعيشها وبسبب النزاع حول قضايا اساسية يصعب الحديث عن قيادة وزارة الخارجية لمستوى العلاقات بين البلدين نحن بذلنا مجهودات كبيرة منذ يوم اعلان الانفصال وبذلنا جهوداً في فتح السفارة في ذات اليوم واعلنا قائماً بالاعمال الى حين تسمية السفير الجديد والسفارة الان تعمل بصورة عادية جداً.. السفارة كان لها دور في ترتيب زيارة وزير الدولة بوزارة الخارجية ووزير الشؤون الانسانية ووزير التعليم العالي وعدد من الوزراء الجنوبيين زاروا السودان بتسهيل من السفارة وبفضل الاتصالات بين وزارات الخارجية في البلدين ولكن طبعاً هناك ملفات شائكة ولها اثر على الاقتصاد والامن ولا تزال هذه الملفات تديرها لجان من الطرفين.. وزارة الخارجية لا يتعدى دورها تسهيل العلاقة في الملفات الشائكة.. نؤكد في القريب سوف نقوم بزيارة لجنوب السودان ونأمل ان يكون ذلك مقبولاً للطرف الاخر.. وهناك ترتيبات للزيارة لتنظيم الملفات الاخرى غير الملفات الشائكة من اجل «حلحلة» بقية الموضوعات العادية ونحن نأمل ان تكون التجارة ميسورة قريباً وان تتواصل العلاقة بين السكان. هل الزيارة القادمة لجوبا بمبادرة منكم ام منهم؟ - كما بادرت جوبا بزيارة الخرطوم نحن الان نرغب في زيارتهم.. نتمنى ان يقبلوا المبادرة.. هيلدا جونسون اطلت من جديد في مسرح السياسة السودانية وهي تقود مبادرة لم تتضح بعد ابعادها؟ - يا اخي هيلدا جونسون تريد ان تعيش في بعض التاريخ وتحب لو تمكنت ان تكون عاملاً مساعداً لاصلاح العلاقة بين السودان وجنوب السودان لمعرفتها بالطرفين ولكن الامور الان تجاوزت الجوانب العاطفية الى جوانب عملية وحقيقية يجري الحوار حولها في اللجان المشتركة. المبادرة شخصية ام مؤسسية من الاممالمتحدة باعتبارها تمثل الاممالمتحدة؟ - هي مبادرة شخصية جداً وطلبت زيارة السودان ولا علاقة لمبادرة هيلدا جونسون بالاممالمتحدة لانها لم تكلف بذلك. هل ثمة مبادرات اخرى غير مرئية لاصلاح العلاقة بين الخرطوموجوبا بعيداً عن مبادرة الاتحاد الافريقي؟ - لا توجد اية مبادرة غير ما طرح من الاتحاد الافريقي ولن نسمح بتعدد المبادرات.. لقد حاولت جهات نزع الملف من الاتحاد الافريقي ولكننا رفضنا ذلك واصرارنا ان يبقى الاتحاد الافريقي وسيطاً. ولكن الاتحاد الافريقي فشل حتى الان؟ - لا اعتقد ان الاتحاد الافريقي فشل بالمقارنة مع التعقيدات في العلاقة بيننا وجنوب السودان لاسباب سياسية تاريخية ولانعدام الثقة الاتحاد الافريقي افضل منبر للتفاوض مع جنوب السودان والوسيط الافضل والمقبول.. فاذا كان الاتحاد الافريقي غير مناسب لن تكون اية جهة اخرى مناسبة.. والقادة الذين يتولون الملف من الاتحاد الافريقي لديهم مقدرة والمام بالقضايا واكثر من الافرنج..