في مارس من العام 2009 هم السيد رئيس الجمهورية للسفر للمشاركة في القمة العربية.. تلك كانت الطلعة الجوية الأولى المناهضة لقرار المحكمة الجنائية الجائر بحق الرئيس.. في حي كوبر مسقط رأس البشير خرجت مظاهرات عفوية تطالب الرئيس بألا يبارح الخرطوم.. مهندس تلك الاحتجاجات الجماهيرية كان المهندس الطيب مصطفى الذي طالب بنقل القمة العربية إلى الخرطوم.. سايرت هيئة علماء السودان الطيب في عواطفه الجياشة وصنعت فتوى تطالب الرئيس بالركون إلى الأرض.. فيما خرج بعض رجال الدولة بموقف قوي.. أمين حسن عمر أكد وقتها أن سفر الرئيس إلى قمة الدوحة لا تراجع عنه.. النتائج أثبتت أن المهندس الطيب مصطفى تحركه عاطفة جياشة.. وأن كل أطروحاته تخرج من بين الفم والقلب. أمس الأول عقد الطيب مصطفى مؤتمراً صحفياً.. منبر السلام حشد كوادره من كل فج عميق.. الطيب مصطفى هدد باللجوء إلى الشارع احتجاجاً على توقيع اتفاق نوايا حسنة مع وفد دولة جنوب السودان.. الاتفاق الذي وقعه وفد الحكومة المفاوض لم يشمل اتجاهاً عاماً لمعاملة الجار الجنب معاملة تفضيلية.. الاتفاق يطالب بمنح سكان السودان وجنوبه امتيازات تفضيلية.. شيء مثل الذي ناله الأشقاء المصريون في مجال حرية العمل والإقامة والتملك والتنقل.. ما عدا ذلك من القضايا الخلافية لم يحسم.. تركت القضايا الحساسة إلى قمة مرتقبة تجمع البشير بسلفاكير. الاختراق الذي حدث في جولة المفاوضات يمثل فتحاً للحكومة السودانية.. ملف العمالة في صالح السودان أكثر من جنوبه.. الواقع يؤكد أن اقتصادنا بحاجة إلى العمالة الجنوبية.. وأن الفراغ بدأت تملأه عمالة وافدة من القرن الأفريقي.. اقتصاد جنوب السودان الناهض يحتاج إلى عمالة سودانية عالية التأهيل والتدريب.. العائد الاقتصادي لمثل هذه العمالة مجزي. في تقديري أن على حكومة السودان أن تمضي إلى المصالحة مع الجنوب بعقل وقلب مفتوحين.. الجنوب الآن مادة امتحان يعيد العالم تقييمه لنا من خلال التعاطي مع هذا الملف.. على رئيس الجمهورية أن يحشد إجماعاً وطنياً حول رؤيته قبل أن يشد الرحال إلى جوبا.. ينادي قادة الأحزاب والتنظيمات إلى لقاء مفتوح لطلب التزود بالرأي.. لقاء لا يستثني إلا من أبى وهدد بمحاربة السلام. القمة الرئاسية تمثل تحدياً لإرادة جوباوالخرطوم.. صناعة سلام مستدام تطلب تقديم تنازلات.. النفط لا يمكن أن ينقل مجاناً لكن رسوم عبوره يجب أن تكون معقولة.. لا ينبغي لطرف أن يتنازل عن أرضه ولكن في ذات الوقت لا يجب أن تتسبب الحدود في حرب شاملة بين البلدين الجارين. يجب على الرئيس البشير ألا يستمع إلى نصائح أولي القربى المشحونة بالعاطفة.. البشير في بيانه الأول أكد أنه وصل إلى السلطة بحثاً عن السلام.. ومن حسن حظه أن أصاب هدفه في العام 2005، أي بديل للحوار ليس إلا الحرب.. وعلى الرئيس البشير في دورته الرئاسية الأخيرة أن يحفظ مجده كصانع سلام. التاريخ يقول إن الطيب مصطفى لم يخرج في مظاهرة ضد الحكومة إلا تلك التي شهدتها كوبر.