ناقش برنامج (الحقيقة) المصري الذي يقدمه الصحافي (وائل الابراشي في قناة دريم، موضوع الشريعة الإسلامية مع عدد من أستاذة الجامعات وأعضاء تنظيم الأخوان المسلمين.. والشاهد أن هناك دعوة لتطبيق حد (الحرابة) كمدخل لتطبيق بقية حدود الشريعة الإسلامية في مصر.. ذلك لأن ظاهرة الحرابة الآن تجتاح مصر.. ودخل الترويع البيوت.. وعاث فى الشوارع.. وجاء الاقتراح حتى يحسم هذه الظاهرة التي تهدد أمن الناس والمجتمع.. حد الحرابة يتمثل في القطع من خلاف ويصل إلى الصلب والقتل والنفي. الشاهد أن سيرة السودان وردت في النقاش أكثر من مرة.. وحُكم على تجربة تطبيق الشريعة في السودان بأنها قدمت نموذجاً شائهاً وجد اعتراضاً عالمياً.. وذكر وائل الابراشي أن النميري طبق الشريعة حتى يتحايل على الأزمات التي تحيق به (مالياً واجتماعياً).. وقرر بعض العلماء أن تطبيق الشريعة في السودان ركز على الحدود مع أن الشريعة ليست الحدود.. إنما تجربة حضارية.. ليست الحدود سوى جزئية منها.. أعتقد أن التجربة لم تتم دراستها وتناولها بصورة موضوعية.. فإما كان البعض معها جملة وتفصيلاً.. أو ضدها جملة وتفصيلاً.. فلم تخضع للتقييم الموضوعي وقد أفرزت التجربة آراء وتمخض الجدل عن مقولات كثيرة منها مثلاً أنه في القرآن الكريم ورد النص على أربع عقوبات حدية حد السرقة وهو قطع اليد.. حد القذف وهو الجلد ثمانين جلدة.. وحد الزنا وهو الجلد مائة جلدة.. وحد الحرابة وهو القتل أو الصلب أو النفي من الأرض (السجن).. ولم يرد حد لعقوبة شرب الخمر لذلك اعتبرت عقوبة تعزيرية لأنها لم ترد في القرآن الكريم أو السنة.. وإنما استخرجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قياساً على حد القذف. الآن علينا أن نخرج إلى العالم بتقييم حقيقي للتجربة.. ومعظم الذين أسهموا فيها أحياء يمكنهم الإدلاء بشهاداتهم وحتى تصبح مفيدة للأخوة في مصر والذين تسنموا ذروة الحكم- الأخوان المسلمين- وقد بدأوا فعلاً بمدخل تطبيق حد الحرابة.. والتي دخلت فيما يسمى ب(البلطجة).. ويدخل فيها السرقة بالإكراه.. وقطع الطريق والتحرش بالنساء وهكذا.. وكنت قد سألت الأستاذ المحامي الكبير كمال شانتير في حوار لمجلة الملتقى في منتصف تسعينات القرن الماضي.. عن البلبلة التي وقع فيها المحامي السوداني بتطبيق الشريعة الإسلامية.. فذكر لي أن المحامي السوداني أصبح ضليعاً.. إذ عمل على هدى قوانين متنوعة من الانجلو سكسوني وحتى القانون الإسلامي.. بما يعني أن التجربة أفادت على الأقل مهنة المحاماة في السودان وصنعت محامياً متمرساً على القوانين كافة.. لا أريد أن أقول شيئاً سوى لابد من تقييم تجربة الشريعة الإسلامية في السودان بموضوعية وشفافية.. فقد أصبحت نموذجاً يضرب به المثل.. فهل كانت تجربة فاشلة كلياً.. وهل حقاً ركزت على الحدود فقط لحماية نظام نميري السياسي ولم تستطع حمايته بل عجلت برحيل نظامه.