على الرغم من التحذيرات التي أطلقها كثيرٌ من الخبراء والمحللين الاقتصاديين من مغبة حدوث الانفصال وما يترتب عليه وتنبيه الحكومة إلى وضع الاحتياطات اللازمة لمواجهة تداعيات الانفصال وما يمكن أن يخلفه من أزمة على الاقتصاد الوطني ولكن تلك النداءات والتحذيرات لم تجد الأذن الصاغية، بل ظلت بعض الدوائر السياسية والاقتصادية تنفخ في طبول الانفصال وتقول إن الاقتصاد لن يتأثر، بذلك،بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بقولها إن الانفصال يعتبر عافية للاقتصاد الوطني ببتر ذلك الجزء ولكن ما حدث نتيجة للانفصال وذهاب البترول أدخل الدولة والشعب في أزمة اقتصادية حقيقية الأمر الذي دفع الحكومة لبحث بدائل أخرى ووضع حزمة من المعالجات التي على أثرها جلست الحكومة لطاولة المفاوضات بغرض إعادة ضخ النفط مرة أخرى عبر الشمال، وعلى ضوء تلك المباحثات تم التوقيع على اتفاق الحريات الأربع كاتفاق إطاري الغرض منه معالجة الوضع الاقتصادي بالنسبة للطرفين من خلال حرية التملك والتنقل والإقامة والتجارة وجاءت هذه الاتفاقية بناء على معطيات الواقع وذلك بتواجد سكان التماس وارتباطهم بالجنوب لمدة «9» أشهر في العام، وقد وجدت الاتفاقية معارضة كبيرة من بعض المراقبين الذين يرون أن الاتفاقية تضر بالاقتصاد السوداني ويستفيد منها الجنوبيون أكثر من الشماليين، وفي هذا الإطار قال الخبير د. جمال عبد الرحمن رستم إن توقيع الاتفاقية قام لأنه مربوط بالتجارة بين البلدين والنفط والاستيراد ولكنها سابقة لأوانها والمفروض أن تحل القضايا العالقة أولاً وخصوصاً هناك 5 مناطق غير مستقرة، فالأمن قبل التنمية. وقال إن إمكانية الاستفادة محدودة بالنسبة للشماليين والمستفيد الأول هم الجنوبيون والجنوبيون الموجودون في الشمال وكان من المفترض أن يرحلوا ولكن الاتفاقية أتاحت لهم إمكانية البقاء بالشمال مما يشكل عبئاً إضافياً على الأزمة الاقتصادية الموجودة الآن، وهذه الاتفاقية مدفوعة من الخارج الغرض منها تفريغ الجنوب من الجنوبيين عبر دفعهم إلى الشمال وإحداث الصراعات حتى يجيء أناس آخرون يشكلون الجنوب، مضيفاً أن السلع السودانية التي كانت توجه للجنوب لا تمثل أهمية للجنوبيين لانهم يمكن أن يغيروا ثقافة الغذاء ويصبحوا مثل دول شرق افريقيا في الاعتماد على الذرة الشامي اضافة الى ان بقية السلع الاخرى من الملح والبصل والزيت يمكن ان يقوم الجنوب باستيرادها من كينيا ويوغندا ولكن يظل النفط السلعة الوحيدة التي يحتاج الجنوب فيها للسودان نسبة لتوفر مقومات الانتاج والتصدير في الوقت الحالي، وقال رستم إن توقيع الحريات الاربع يعد قفزاً فوق البنود والقضايا، وأن تدعوا الجنوبيين الى الحريات فهم كانوا شركاء قبل الانفصال ماذا استفدنا منهم حتى التجار الشماليين الموجودين في الجنوب لم يستفيدوا ابان الشراكة فكيف لهم أن يستفيدوا بعد الانفصال وفي ظل الوجود الأمريكي والاسرائيلي والافريقي للاستثمار في الجنوب ومسألة التجارة مضرة اكثر من كونها مفيدة، وقال إن الحديث حول اعتماد الجنوب على 183 سلعة من الشمال قد فات أوانه واصبح الاعتماد على شرق افريقيا أكبر لأن الأسعار أقل وبميزات أكثر، وأصبح الجنوب أحد أسواق الوارد من الصابون والمواد الاستهلاكية لدول شرق أفريقيا. وأشار إلى انها كرؤية بالنسبة للعلاقات «كويسة»، ولكن من المفترض الموازنة بينها وبين الامن السوداني ونجاحها مرتبط بحل القضايا العالقة في النفط والحدود والامن.