لا نميل إلى الحديث عن الأشخاص، خاصة إذا كانوا في موقع المسؤولية واتخاذ القرار، حتى لا يصبح ما نكتبه ضرباً من ضروب (التطبيل)، وحتى لا نصبح من حارقي البخور أو ماسحي الجوخ، رغم أن للبعض انجازات يستحقون أن نقف عندها وأن نشيد بها، ومع ذلك تصبح الإشارة مهمة وضرورية لتلك الانجازات مع ربطها بالأشخاص الذين قاموا بها، ونؤمن تماماً بأن الأعمال تتحدث عن نفسها دائماً.. فكم من مسؤول وزعيم وقائد ووزير، يتحدث ويطارد كاميرات التلفزيون، وناقلات الصوت في الإذاعة، ويسعى إلى تجمعات الصحفيين ومراسلي الصحف، ليتحدث ويكون (في الصورة) دائماً دون انجاز يذكر.. وأمثال هؤلاء ابتلينا بهم سنين عدداً، وهم أعظم المدافعين عن أنظمة الحكم طالما كانوا ضمن طاقمها النافذ والمتنفذ، لكنهم أكبر الناقدين لها إن صدرت قرارات بإعفائهم من تلك المواقع المتقدمة، والمناصب الرفيعة. لا نكتب غزلاً سياسياً أو اجتماعياً لمن يمسكون بأيديهم (قلم) اتخاذ القرار، لكننا نكتب ذلك الغزل السياسي، حال إن يذهب عن تلك المواقع، من كتب لنفسه (البقاء) بما قدم لشعبه ووطنه، وتصبح الشهادة واجبة في حق الذين حفظوا لأنفسهم مكاناً علياً في نفوس غيرهم، وتركوا آثاراً لن تنمحي مع كر الأيام وفر الليالي. صعب أن يستقيل شاغل منصب دستوري في بلادنا، وهذا أمر نادر الحديث إن لم يكن معدوماً بالكلية، لكن الاستقالات المسببة تصبح دائماً نقطة بيضاء وعلامة مضيئة في تاريخ الذين تقدموا بها. بالأمس ضرب المهندس عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة مثلاً قوياً للمسؤولية، عندما تقدم باستقالته للسيد رئيس الجمهورية ل(الحرج) الذي سببه للشعب السوداني والدولة بتأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض، وأسباب التأجيل لا يد له فيها، لأنها جاءت بسبب المقاطعة الأمريكية التي حرمت بلادنا من قطع أساسية تدخل في تركيب المصنع وعملية تشغيله. نحن لا نعرف موقف الدولة وتقديراتها في أمر قبول أو رفض استقالة هذا الوزير الشجاع المسؤول، لكننا نرى أنه من أوجب واجبات الصحافة الآن أن تشيد بالرجل وبموقفه الشجاع وتحمله للمسؤولية، ونتمنى أن يحذو كل مسؤول حذوه، خاصة اولئك الذين (إلتصقوا) بالكراسي، وتمسكوا بالسلطة بعد أن نفد رصيدهم من العطاء، وهم يحسبون أنهم (بدريين) لا يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم، رغم الكم الهائل من الاخفاقات والفشل الذي أصبح ملازماً لبعضهم ملازمة الظل للأصل. التحية للمهندس عبد الوهاب محمد عثمان وزير الصناعة إن قبل رئيس الجمهورية إستقالته، والتحية له إن لم يقبل الرئيس تلك الاستقالة.. فقط يكفينا أن بين طاقم الحكم رجال من أمثال هذا الوزير الشجاع المسؤول.