هل تصمم الكتابة على اليوم؟ يُهيأ لي أن الكتابة ليوم جمعة تختلف عن أيام الأسبوع الأخرى، ذلك لنكهة خاصة يحملها يوم الجمعة تختلف رائحةً ومذاقاً وطعماً عن السبت والأحد والأربعاء.. يكفي أن الله تعالى أمر المؤمنين بالكف عن البيع والتجارة إذا نودوا للصلاة من يوم الجمعة، إنه اليوم الذي تستوي فيه الصفوف وتتوجه لرب العزة في ظهر كل أسبوع ليستقبل الله الرحيم مصليه. ليوم الجمعة ألق خاص في السودان، كأن جمعة السودان صُنعت خصيصاً له لا كالبنسون ولكن لأريج خاص بها ينبع من طبيعة السودان المختلفة عن كل شعوب العالم. شعب يحتفي بالفطور الخاص بالجمعة وينهض للتجهيز له من «النجمة» وترى ابتسامات لا تراها على مدى أيام الأسبوع وجلاليب لا يتزيا بها الناس إلا يوم الجمعة، من الناشز أن ترتدي زياً أفرنجياً في مثل هذا اليوم ولو لا أن شعب السودان «يشق على الانتلجنسيا» لحرمهم من الزي الأفرنجي في يوم الجمعة. وبه وله تبريكات ما سمعتها في كل أنحاء الدنيا «الجمعة الجامعة والكلمة السامعة».. إنه اليوم الوحيد الذي يمكن أن يقدّم إنسان السودان فيه التنازلات ويراجع نفسه ويدينها ويجأر بالدعاء وبالاستغفار! يوم خاص من بين كل أسبوع وشعب أكثر خصوصية في كل دورات الفصول! الجمعة «المباركة» والشعب «المبروك»! بجانب طبيعته الدينية وخصوصيته الاجتماعية وطابعه الذي لا تحمله كل أيام الأسبوع، ارتبط يوم الجمعة عندي بقراءة الرواية فكل الروايات التي قرأتها بدأتها يوم الجمعة منذ أن كنت صبياً يستهويني دستوفكسي، وأبكي مع أم بطل جوركي في رواية الأم، وأحضر محاكمة كافكا شاهداً على عبقرية روائية لم تكررها أوربا إلا حين أنجبت نيكوس كازانزانكس المجنون الذي أدهشنا بزوربا. في هذه الجمعة إن شاء الله وإذا ما كف طريق شريان الشمال عن عاداته في التربص بأهلي وإذا «لم يجيب الموبايل خبراً شين» ومضى كل شئ مدفوعاً ببركة يوم الجمعة فإني أنوي مطالعة رواية «امتداح الخالة» لماريو فارغاس يوسا الذي فاز بنوبل العام الماضي عن جدارة. وأكاد أجزم أن لجنة آداب نوبل لم توفق طوال تاريخها التحكيمي إلا في هذا الروائي الفخم.